آلام المسيح قطعة فنية تذّكر بآلام فلسطين
بعد ضجة إعلامية بدأت مع تصوير الفيلم، وصل فيلم آلام المسيح إلى الصالات العالمية وإلى سورية بسرعة قياسية، بالمقارنة مع تواتر وصول الأفلام إلى سورية.
بعيداً عن كافة الجوانب السياسية/ الدينية التي سعى الكثيرون لتحميلها لهذا الفيلم فإنه يشكل قطعة فنية بامتياز، قد يكون الجانب الإعلامي الذي استند إلى هذه الضجة قد تم تصنيعه ليخدم الفيلم إلاّ أن ذلك لم ينتقص الجوانب الفنية في هذا الفيلم.
لغة سينمائية بامتياز:
كانت الغلبة في الفيلم للغة البصرية على الحوار، فلم تعتمد اللغة الإنكليزية، بل كان الحوار أميناً للمرحلة فاستخدم اللغة الآرامية لأهل فلسطين في ذلك الوقت، بالإضافة إلى اللاتينية، للحاكم الروماني. وبذلك ترك جيبسون لسادة الضوء والظل والمكياج، والممثلين أن يحكوا قصة المسيح بأدوات فنية عالية.
يمكن تلخيص الفيلم من جهة الصورة ببساطة على أنه مجموعة مختارة من أهم لوحات الفن العالمي منذ القرون الوسطى حتى يومنا هذا، التي اتخذت من صلب المسيح موضوعة لها، مجموعة من اللوحات العالمية لأهم الفنانين من كل دول العالم، حاول المخرج ميل جيبسون الأسترالي الأصل أن يوظفها في رؤيته وفهمه البصري للفيلم، ليخلق صورة مبنية على التراكم، وبالكثير من الإرجاعات والخلفيات المعرفية. وعلى الرغم من أن جيبسون أغرق إلى حد كبير ومؤلم جداً في تصوير تفاصيل العذابات التي عاشها المسيح حتى القيامة، إلاّ أن ذلك لم ينتقص من الجمالية البصرية للكثير من اللقطات والمشاهد والتي فاقت في بعض الأحيان الأصول التي أخذت عنها، فامتزجت الإضاءة مع الألوان والمكياج لتعطي صورة أقرب ما تكون للعوالم التي يتصورها الكثيرون.
يحكي الفيلم قصة الإثنتي عشرة ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح، منذ محاولة الغواية الأخيرة للشيطان في كرم الزيتون، مروراً بقبلة يهوذا الأسخريوطي، التي سلم بها المسيح لكهنة الهيكل ..والعذابات التي لاقاها وصولاً إلى صلب السيد المسيح، لم يقم جيبسون خلال كتابته للسيناريو بأي تغيير في النص الإنجيلي، ولم يحاول أن يقوم بأي تعديل في القصة لضرورات درامية، بل التزم جيبسون بحرفية وأمانة لنص الإنجيل في سرده للوقائع التاريخية.
الماضي صورة
تتركز الاعتراضات الأساسية على فيلم آلام السيد المسيح، على الدموية المبالغ بها في تصوير آلام المسيح، فقد ركز في الكثير من مشاهد التعذيب التي تؤلف 90% من الفيلم على العذابات بلقطات مقربة تدخل المشاهد إلى قلب الحدث، الأمر الذي أدى إلى وفاة 3 مشاهدين في مناطق مختلفة من دول العالم داخل صالات السينما.
وكان رد جيبسون الرئيسي على منتقديه، أن هذه العذابات أمر لا يذكر إن قارناه بما يعرض هذه الأيام على شاشات التلفاز من مشاهد حية وواقعية يقوم بها همجيو العالم الجديد ضد شعوب الكثير من المناطق، من سحل وإعدامات، ومجازر جماعية، وتنقل هذه الصور إلى ملايين الشاشات، ربما من الضروري عرض العذابات التي تعرض لها السيد المسيح بهذه الدقة وبهذا التفصيل، لأنها تحمل بعداً إنسانياً آخر.. قد يتعظ منه البعض.
لا يستطيع المشاهد في الشرق الأوسط إلاّ أن يربط بين عذابات الشعب الفلسطيني، وبين فيلم آلام المسيح ولعل بعض التقاطعات في بعض المشاهد الحية من الداخل الفلسطيني، ربما لم يفكر جيبسون للحظة بذلك التقاطع إلاّ أن هذا التقاطع سيظل ماثلاً أمام كل من يشاهد هذا العمل الفني الرائع.