جون برجر: حياة من الكتابة والرسم والنقد

«كراسة رسم بينتو» كتاب جون برجر الجديد. يمزج جون برجر بين الرسومات والتأملات التي تدور حول العالم الذي نعيش فيه. أعمال هذا الكاتب اليساري كثيرة، منها «من عايدة إلى كزافيه» المترجمة إلى العربية و «جدارية محمود درويش» التي ترجمها بالتعاون مع ريما حمامي. كما أنه حصل على جائزة «بوكر» عام 1972 عن روايته الشهيرة «G». يقول الناقد الفني، الروائي، الرسام وصاحب المقالة الشهيرة في النقد الفني «طرق في الرؤية» عن كتابه الجديد: «أردت أن أكتب عن النظر إلى العالم، لذلك فإن هذا الكتاب يدور حول مساعدة الناس على معرفة ما يحيط بنا من كلا الأمرين، الرائع والفظيع.»

في يوم الجمعة العظيمة في عام 2008 ذهب جون برجر إلى المتحف الوطني في لندن ليشاهد ويرسم لوحة «المسيح المصلوب» لفنان مطلع عصر النهضة «أنتونيلو دا ماسينا». عملٌ وصَفه بأنه: «اللوحة الأكثر انفرادية للمشهد الذي أعرفه، والأقل رمزية». وضع بيرجر حقيبة كتفه الصغيرة على كرسي الخادم في زاوية الغرفة وبدأ الرسم بالحبر، مرطباً سبابته ليدمج بين الخطوط ويصحح الأخطاء. عاد الخادم بعد فترة ليست بطويلة ليطلب من برجر إزالة الحقيبة. يضعها بيرجر على الأرض بين قدميه ويستأنف الرسم، عندها قال له الخادم بأنه لا يُسمح بتركها على الأرض فوضح بيرجر بأنه لن يتمكن من الرسم إذا حملها. تصاعد الخلاف وفي لحظة ما صرخ بيرجر «اللعنة». تم استدعاء المشرف الذي أخبر برجر بأنه قام بإهانة أحد العاملين الذي يؤدي وظيفته وبأنه صرخ بألفاظ نابية في مؤسسة عامة. روفق إلى خارج المبنى: «أنا أعتبر أنك تعرف طريق الخروج، سيدي.»
يروي برجر هذه الحكاية في كتابه الجديد الذي سيُنشر الشهر المقبل «كراسة رسم بينتو» والذي يحوي أيضاً لوحة الصليب التي أنجزت على عجل. هذا الكتاب يحمل مسحة رمزية ملموسة - بالرغم من كل تصحيحات الرسم - ملمحاً إلى نطاق أوسع من أخطاء المفاهيم البشرية. لكنه في الظاهر يرمز إلى مهنة بيرجر كناقد فني مناضل، ككاتب راديكالي وكمنافس ثابت للسلطة المؤسساتية.
«كراسة رسم بينتو» عمل مميز فريد من نوعه. يقوم بخلق دمج بين أفكار مفصل العدسات الزجاجية، الرسام وفيلسوف القرن السابع عشر باروخ سبينوزا مع دراسة شملت الرسم وسلسلة من رسومات كوّنت شبه سيرة ذاتية، حاول برجر من خلالها استكشاف العالم من حوله واستكشاف مكانه الخاص ضمنه. «سيطر سبينوزا على عقلي فترة طويلة من الزمن»، موضّحاً «خلال قراءتي لماركس في عمر 18 سنة، أتذكر جوابه في لعبة طُلب منه فيها أن يذكر اسم الفيلسوف المفضل لديه. قال: سبينوزا.» إنه كتاب غريب بطريقة أو بأخرى، فهو ليس دراسة مباشرة عن سبينوزا ولا كتاباً مباشراً عن الرسم.
تصميم الكتاب يدمج بين النص والرسومات والمقتطفات المأخوذة من سبينوزا بشكل رائع. وهو: «معقد كما كان طرق في الرؤية معقداً قبل 40 عاماً»، قال برجر: «تحدثنا كثيراً حول تخطيط الكتاب، وحول عدم استخدام الرسومات كما تستخدم تقليدياً وإنما السماح لها بالتعبير عن نفسها.» بمعنىً آخر، «كراسة رسم بينتو» هو تعاون مع سبينوزا، ويقول برجر أنه يأمل بأن ينظر القارئ إلى سبينوزا: «كرفيق، وفي بعض النواحي، كمعاصر بالنسبة لنا. نحن لا نواجه العالم ذاته ولكنه مماثل في نواحٍ كثيرة. رفضه الدقيق للتمييز الديكارتي بين ما هو جسدي وما هو روحي يبدو لي أكثر فأكثر ملاءمة للأزمة التي يمر بها العالم الآن.»
«مازلت أكتب وأفكر وأرسم، والتي استمريت بها حتى بعد أن توقفت عن الرسم بالطلاء. أنا لا أعرف ما إذا كان هذا صحيحاً بالنسبة للآخرين لكنه بالتأكيد صحيح بالنسبة لي، أنه بعد سنوات وسنوات من الرسم يصبح الأمر أسهل قليلاً، على عكس الكتابة التي بقيت صعبة كما كانت دائماً.»