محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

ثقافتنا.. بتنوعنا

تفوقت الحالة الثقافية السورية عن مثيلاتها في مسألة إنكار الآخر، ووصلت في إقصائها لهذا الآخر إلى حد لم تصله مزاعم الفراعنة الآلهة، الذين كان يصر واحدهم على أنه الرب الأعلى، وأن كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
ذلك الإنكار اتخذ أشكالاً شتى من الرفض إلى التهميش إلى الإقصاء إلى التخوين إلى السحق، فالآخر إن كان تابعاً أو ظلاً أو عرضاً فهو على الرحب والسعة،  أما إن كان مخالفاً فلا أبقاني الله إن أبقيته!.

تلك الثقافة التي عشنا تحت ظلالها سنين طوالاً وقررنا وعملنا كي نخرج من عباءتها، منطلقين لنحيا حياة ثقافية فكرية سياسية تقوم على التعدد والتنوع، وقبول كل طرف للآخر، ارتدت على أعقابها، فوقع الكثير ممن طالب بحريته وفكره بذات المطبات والعقد، وما لبث أن نفث فيها.
كيف لا، ونحن الذين نزعم أننا معارضون يتجنى بعضنا على بعض إن لم نتفق على رأي، ويرمي بعضنا بعضاً بأقذع التهم لمجرد بسط فكرة اختلفنا حولها، ضاق بعضنا ذرعاً بغيره فنسي أن يطبق على نفسه ما حاربنا جميعاً من أجله.. لم يتوانَ أن ينكر الآخر، ونحن ما خضنا حربنا التي خضنا إلا لأننا حُرقنا من لهيب نكران الآخر؟!.
إن لم تكن معي، ولم تؤمن بفكري، ولم تدعم خطتي وتهلل لمشروعي، فأنت ضدي، إن لم تصفق وتصفر فلن أتوانى لحظة عن تحييدك بل سأنقلب كرة أخرى لأبدأ بالرفض ثم التهميش ثم الإقصاء ثم التخوين، وقد أصل من جديد إلى سحقك!!.
تلك النخب الثقافية والفكرية التحررية المعارضة إن لم تكن على قدر عال من الوعي وسعة الصدر وتقبل الآراء فلا عتب على أصحاب السلطة والسطوة أن يكونوا كذلك!
ثقافة الحرية والتعدد لا تنجز إلا بالتطبيق الحقيقي الفعال لها، في حين أن الوقوع بالسيرة الماضية ما هو إلا اجترار للأخطاء بأقبح صوره وأشكاله، أنأى بكل مبدئّي حرّ أن يقع بمثله.