أوراق خريفية.. «ليلة رأس السنة»

لم يترك فكرة واحدة من مخزونه المدجج بالحجج والذرائع والمبررات إلاّ واتّبعها، حتى تمكن من إقناع أفراد أسرته بأن عشاء ليلة رأس السنة يجب أن يكون ككل يوم! باستثناء مادة بذر ميال الشمس، فقد أصرّت زوجته على ضرورة وجوده على المائدة ولو اضطر لشرائه بالدين، بالإضافة طبعاً إلى قنينة كازوز من الحجم العائلي .. إذ من غير المعقول أن يقضوا السهرة وهم يتفرجون على بعض..

عند بداية السهرة على شاشة التلفزيون، نوّهت المذيعة بأنه سوف يتم الاتصال برقم هاتف لا على التعيين، يتم اختياره بواسطة دوران دواليب الحظ...

وينال صاحب الرقم السعيد جائزة محترمة...  وذلك بعد منتصف الليل مباشرة.

برم الزوج رأسه بحسرة مؤكداً لزوجته بأن رقم الهاتف الذي سيتم اختياره سيكون لأحد أقارب المذيع أو مدير التلفزيون أو... وبالتالي لا داعي أبداً لانتظار رنين هاتفهم!.

احتجت ابنته الكبرى على تشاؤم والدها وقالت له : يا بابا لماذا أنت هكذا دوماً؟ حتى في هذا اليوم تريدنا أن نكون محبطين! دولاب اليانصيب حظ، وقد يبتسم لنا هذه الليلة إن شاء الله.. من يدري!.

برم رأسه من جديد يمنةً ويسرةً متأففاً، إلاّ أن موسيقى فصفصة البذر المنبعثة من الأفواه السبعة المحيطة به، جعلته يشعر بنشوة لم يذق حلاوتها منذ زمن طويل. أحس بنوعٍ من السلام الداخلي يجتاح كيانه، وأراد التعبير عن ذلك بأن سمح لابنه المصاب بـ «سلس البول» أن يشرب هذه الليلة ما يشاء من السوائل، كازوز، شاي، ماء... احتفالاً بقدوم العام الجديد. وهنا سددت زوجته إليه نظرة زاخرة باللوم، هامسةً من بين أسنانها: (طبعاً خدّامتكم جاهزة.. أكيد لن تتعب بغسيل الشرشف واللباس!) فأشار لها بيده أن تخرس على طول... عند منتصف الليل، وبعد أن أغفى أكثر أبنائه وبقي مع زوجته وابنته الكبرى، حدّق بالرقم الذي سجّلته دواليب الحظ! لم يصدق عينيه! (أمعقولٌ ما أراه!)! هزّ كتف زوجته النصف نائمة، فانتفضت مجفلةً وفركت عينيها..! ابنته بدأت تقفز من شدة فرحها وطلبت من والدها أن تردّ هي على الهاتف.. لكنه لم يسمح لها!.

■ ألو ... مسا الخير!.

● (متلعثماً وقد تسارعت نبضات قلبه) يا مسا النور يا أهلاً وسهلاً..

■ كل سنة وأنت سالم!.

● (بارتباك شديد) وووأنت بألف خير..

■ الحقيقة حظك هذا العام يبدو جيداً، وكما تعلم فقد اتصلنا بك دون أن نعرف مع من نتحدث . هل تتكرّم وتعرّفنا عن نفسك؟

● (بلع ريقه بصعوبة) يا سيدي ! حظي جيد أنني سمعت صوتكم..!

■ شكراً يا أخ ! لم تقل لي... الاسم الكريم ؟

●......!

■ ألو.. هل تسمعني؟

● (محمحماً) أي نعم..!

■ ألا تريد تعريف السادة المشاهدين على اسمك؟

●......!

■ طيب ، أنت حر! ماذا تريد أن تقول بهذه المناسبة؟

● (متردداً) شـ.. شكراً لكم سيدي!

■ أقصد ما هي أمنيتك للعام الجديد؟

●......!

■ ألو.. ألو. هل أنت معي؟

●.. أي نعم..!

■ لم تقل لي ما هي أمنياتك للعام الجديد؟

●......!

■ أليس لك رغبات، طلبات، طموحات..؟

● ط ط.. طبعاً.. طبعاً..!

■ ما هي؟ أنت على الهواء مباشرة يا أخ! والملايين تسمعك..

● (بصوت خفيض بعد أن استعاد جزءاً من هدوئه: هون المشكلة)... أستاذ! هل أستطيع البوح بأمنياتي على الهواء مباشرة؟

■ طبعاً يا أخ تفضّل!

● أياً كانت هذه الأمنيات؟

■ طبعاً..

● ولا خوف من ذكرها على الملأ أبداً؟

■ أكيد..

● بصراحة أنا خائف يا أستاذ! فهذه أول مرة في حياتي أتحدّث مع مذيع بالتلفزيون بشكل مباشر!

■ لا تخف يا أخ! أنت مواطن ومن حقك التعبير عن مشاعرك وأمنياتك بمنتهى الشفافية .. سواء على الصعيد الشخصي أو على المستوى العام .. امتلاك سيارة مثلاً، تحرير الأراضي المحتلة... أي شيء أي شيء..

● لكن أمنياتي لا تقترب مما ذكرت يا أستاذ! 

■ قل لا تخف! ما هي إذن ؟

●........!

■ الوقت يداهمنا يا أخ! ألو.... ألو..!

● اعذرني أستاذ! لا أجرؤ على البوح..  هل تضمن لي البقاء في بيتي حتى الصباح إذا أفصحت عن أمنياتي ؟

■ وهل أمنياتك خطرة إلى هذا الحدّ ؟

● لا... لكن...!

■ تفضل.. هيا.. سيدركنا الوقت، نحن ما زلنا معك على الخط..

●.............!

■ ألو..... ألو.... ألو!

●....................................!!!

■ ضيا اسكندر - اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.