جيمس بيتراس  ضدّ نعوم تشومسكي (1 من 2) «تقدميون».. عند الطلب!!

1 ـ دور المثقفين

يتمثّل دور المثقفين في توضيح المخاطر العظمى وتحديد التهديدات الرئيسية التي يواجهها السلام والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والحرية في كلّ حقبةٍ تاريخية، وكذلك تعريف المدافعين الرئيسيين عن تلك المبادئ ومساندتهم.

يحمل المثقفون مسؤولية التمييز بين إجراءات الدفاع التي تتخذها الدول والشعوب التي تخضع لاعتداءٍ إمبريالي، وبين الوسائل العدائية التي تتبعها القوى الإمبريالية الساعية إلى الحصول على المكتسبات. إنّ وضع عنف وقمع البلدان الإمبريالية على قدم المساواة مع ذلك الذي تمارسه بلدان العالم الثالث التي تقع ضحية هجومٍ عسكري وإرهابيّ هو قمة النفاق. المثقف المسؤول يتفحّص دون تنازلات السياق السياسي، ويحلّل العلاقات بين قوةٍ إمبريالية وبين موظفيها المحلّيين، الذين يوصفون بالـ «منشقين»، بدلاً من إطلاق إداناتٍ تترجم مقتضياته السياسية الشخصية.

الإمبريالية تتحدث على الدوام عن حقوق الإنسان في الدول المستقلة في العالم الثالث.

إنّ المثقفين الملتزمين الذين يدّعون الحديث وفق سلطة الأخلاق، وخاصةً أولئك الذين يدّعون بأنّهم ينتقدون الإمبريالية، يتحمّلون مسؤوليةً سياسية في إماطة اللثام عن التلاعب الذي تقوم به السلطة والدولة ووسائل الإعلام، وبشكلٍ خاص حين تتحدث الإمبريالية عن انتهاكات حقوق الإنسان في دول العالم الثالث المستقلة. لقد رأينا مؤخراً عدداً كبيراً من المثقفين الغربيين «التقدميين» يساندون تدمير الولايات المتحدة ليوغوسلافيا، والتطهير العرقي لأكثر من 250 ألف صربي وغجري وغيرهم في كوسوفو، أو يصمتون أمام تلك التصرفات، وينضمون إلى الدعاية الأمريكية التي تحدثت عن «تدخلٍ إنساني».

لقد ساند كافة المثقفين الأمريكيين (تشومسكي، زين، ولرشتاين، إلخ.) الانتفاضة العنيفة للأصوليين في أفغانستان، التي موّلتها الولايات المتحدة، ضدّ الحكومة العلمانية المدعومة من قبل السوفييت، بحجة أنّ السوفييت قد «غزوا» أفغانستان وأنّ الأصوليين المتعصبين الذين كانوا يغزون البلاد من جهات الأرض الأربع هم «منشقون» جاءوا للدفاع عن «حق تقرير المصير». كان ذلك تلاعباً ناجحاً، كما اعترف بذلك المستشار الأسبق للأمن القومي زبيغنييف بريجنسكي.

واليوم، يلوّح مثقفون مرموقون بماضيهم كـ «منتقدين» للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وذلك بهدف إضفاء المزيد من الوزن على إدانتهم الجماعية للانتهاكات المزعومة للأخلاق التي يقولون بأنّ الكوبيين قد ارتكبوها. إنهم يضعون على قدم المساواة اعتقال كوبا لموظفين يعملون لصالح وزارة الخارجية الأمريكية وإعدام ثلاثة قراصنة إرهابيين، وبين جرائم الحرب والإبادة العرقية التي ترتكبها الإمبريالية الأمريكية. إنّ أولئك المنفّذين للمطابقات الأخلاقية يتفحّصون كوبا بالمجهر وجرائم الولايات المتحدة بالتليسكوب. وهنا يكمن السر في التسامح تجاههم في الأوساط الليبرالية في الإمبراطورية.

2 ـ الحتميات الأخلاقية والحقائق الكوبية:

الأخلاق وعدم النزاهة

ينقسم المثقفون حول النزاع بين الولايات المتحدة وكوبا: فبينيديتي وساستر وبيتراس وشانسيز-فيلاسكيز وبابلو غونواليز كازانوفا والعديد غيرهم يدافعون عن كوبا.

أمّا مثقفو اليمين، مثل فارغاس لوسا وسافاتر وكارلوس فوينتس، فقد أعلنوا دون مفاجأة انتقاداتهم المعتادة لكوبا. كما قام جيشٌ صغير من المثقفين المعتبرين عادةً تقدميين (تشومسكي وساراماغو وسونتاغ وزين وولرشتاين)، بإدانة كوبا، ملوّحين بماضيهم كمعارضين انتقاديين كيلا يتم الخلط بينهم وبين المعارضين اليمينيين أو كيلا يتمّ تجيير موقفهم لصالح وزارة الخارجية. هذه المجموعة من «التقدميين» هي التي تسبب بأكبر الضرر في الحركة المناهضة للإمبريالية، وإليهم أتوجه بالحديث.

تشكّل الأخلاق التي تستند إلى الدعاية مزيجاً خطيراً، وخاصةً حين تصدر الأحكام عن مثقفين يساريين مرموقين، في حين تصدر الدعاية المذكورة عن اليمين المتطرف في إدارة بوش. يعترف العديد من أولئك الانتقاديين «التقدميين» دون الدخول في التفاصيل بأنّ الولايات المتحدة تتخذ موقفاً معادياً وعدوانياً تجاه كوبا. كما يعترفون بنفس «السخاء» بحقّ كوبا في تقرير مصيرها. ثمّ يوجّهون سلسلةً من الاتهامات غير المسنودة ومن التشويهات الخارجة عن أي سياق.

يمكن للموقف المعاكس أن يساعد على توضيح الجدال وعلى تأمين تبريرٍ لتلك «الحتميات الأخلاقية». الأفضل هو العودة إلى الحقائق الأولية. إنّ الانتقاديين اليساريين يقبلون بالتعريفات التي تقدّمها وزارة الخارجية، ويدينون «قمع» الحكومة الكوبية للأفراد والمنشقين، بما في ذلك الصحافيين وأصحاب المكتبات الخاصة وأعضاء الأحزاب السياسية اللاعنفية الذين يحاولون ممارسة حقوقهم الديموقراطية. إنّ ما لا يستطيع «التقدميون» الاعتراف به، أو يرفضون الاعتراف به، هو أنّ الأشخاص الموقوفين كانوا موظفين تدفع رواتبهم الولايات المتحدة.

إنّ وكالة التنمية الدولية (AID) هي الوكالة الفدرالية الرئيسية المكلفة بتوزيع الهبات والقروض لمصلحة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهي تعترف بأنّها قد وزّعت في إطار برنامج USAID كوبا (الصادر عن قانون هيلمز- بورتون لعام 1996) أكثر من 8.5 مليون دولار للمعارضين الكوبيين منذ العام 1997، وذلك كي يتمكنوا من توزيع النشرات، وتنظيم الاجتماعات، والقيام بالدعاية من أجل تغيير النظام الكوبي، بالتنسيق مع عددٍ من المنظمات الأمريكية غير الحكومية، والجامعات، والهيئات، ومجموعاتٍ أخرى تقوم مقام الغطاء لها.

8.5 مليون دولار للمنشقين الكوبيين

دفعت AID 8.5 مليون دولار للمنشقين الكوبيين. وعلى المستفيدين أن يكونوا قد أظهروا التزاماً واضحاً بمشروع الولايات المتحدة الهادف إلى «تغيير النظام» نحو «اقتصاد السوق» والـ «ديموقراطية». إنّ قانون هيلمز- بورتون، مثله في ذلك مثل البيان الذي حرره التقدميون الأمريكيون، «يدين غياب الحرية في كوبا، وسجن المنشقين الأبرياء، ويدعون إلى تغييرٍ ديموقراطيّ في النظام الكوبي». إنّها مصادفاتٌ غريبة تستوجب التحليل. 

■ الصحافيون الكوبيون الذين تلقوا 280 ألف دولار من وكالة أنباء كوبا الحرة (وهي واجهة لـ AID) ليسوا من المنشقين بل موظفون يقبضون رواتب.

■ المجموعات الكوبية «للدفاع عن حقوق الإنسان» والتي حصلت على 775 ألف دولار من منظمة فريدوم هاوس (واجهة للـ CIA) ليست مؤلفة من المنشقين، وخاصةً حين تنص مهمتها على تنشيط إجراء «انتقال» (اقرأ انقلاب) في النظام الكوبي.

■ بين الثاني من أيلول 2002 وآذار 2003، أجرى جيمس كيسون، رئيس قسم المصالح الأمريكية في هافانا، عشرات الاجتماعات مع أولئك «المنشقين» الكوبيين، في بيته وفي مكتبه، وقدّم لهم تعليماتٍ وتوجيهات حول ما ينبغي لهم كتابته، وكيف يجنّدون الناس، مع مهاجمة الحكومة الكوبية بعباراتٍ تفتقر كثيراً إلى الدبلوماسية.

■ حصل الكوبيون المؤتمرون بأوامر واشنطن من الـ USAID على معداتٍ إلكترونية ومعداتٍ للاتصال، وكتب، ومعداتٍ دعائية أخرى، كما حصلوا على المال لتأسيس «نقابات» موالية للولايات المتحدة، تحت غطاء «المركز الأمريكي للتضامن العمالي الدولي».

الأمر لا يتعلّق بـ «منشقين» من ذوي النوايا الحسنة، يجهلون هوية المحسنين إليهم أو دورهم كعملاء للولايات المتحدة. كما أنّ تقرير USAID يشير إلى أنّ «برنامج كوبا ممول من قبل صندوق المساندة الاقتصادية الذي يهدف إلى دعم المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، وذلك بتأمين مساندةٍ اقتصادية للحلفاء (كذا) وللبلدان السائرة على طريق الديموقراطية.»

ما من بلدٍ في العالم يتسامح مع مواطنين تدفع لهم قوةٌ أجنبية المال ويعملون لصالحها بهدف خدمة المصالح الإمبريالية لتلك القوة، دون أن يسميهم ذلك البلد بالـ «منشقين». وهذا صحيحٌ بصورةٍ خاصة في الولايات المتحدة، حيث يذكر قانون العقوبات (المادة 18، المادة 951) بأنّ «أيّ شخصٍ يوافق على العمل داخل الولايات المتحدة تحت إدارة أو مراقبة حكومةٍ أجنبية يجرّم وربما يتعرّض لعشر سنوات من السجن».

 

 ■ يتبع ■