رؤى وانعكاس.. في المرآة التشكيلية معايير في آلية الإبداع وأصالته

هل الفن في حقيقته وجوهره ذو هوية إنسانية في كل أنحاء العالم وعلى مر التاريخ وهل على الفنان أن يكون ممتلكاً لمفرداته في هذا الاتجاه.

هل وصل الفن الغربي إلى الكمال في شكله ومحتواه ومحتماً علينا مجاراته وعلينا أن نلتقط أطراف جمالياته حتى نحقق لأنفسنا وجوداً عالمياً معاصراً.. أم أن فن القرن الواحد والعشرين سيكون فن التجاوز وإن الفنان سيكون ثائراً متفرداً ذا خصوصية ترتسم ضمن هذا التجاوز.

وحتى تتوضح الطريق أمامنا لابد لنا من القول بأن الفن التشكيلي لايقبل أن يكون إلاتعبيراً عن رؤية مستقرة بلا طفرات أو تغيير وانعكاس لحالة إنسانية شديدة الغبش والوضوح في آن معاً، وهذا يعني أن أصالة العمل الفني تعني ارتباطه بالواقع والتعبير عن حاجاته الحيوية والذهنية.

من الواضح أن تجديد الفن التشكيلي في المرحلة الحديثة من تاريخ الفن قد جعل تعريف الفن التشكيلي على أنه الحداثة والتجديد في كل شيء على صعيد التقنية واللون.

وقد أفرز هذا المفهوم تياراً كبيراً جعل من الحداثة رفضاً مطلقاً لكل ما هو تقليدي وموروث شكلاً ومضموناً.

وإذا عدنا إلى أصول ثورة الحداثة في الفن الأوروبي وماقدمه من مفاهيم نقدية حول الحداثة نجد أن هذا الفن قد قام على مبدأ أساسي هو «الأصالة هي الإبداع الحقيقي»، فالأصالة لا تعني الارتباط بالماضي بل التحرر منه ومن كل القيود الفنية السابقة، وقد وصلت بعض المدارس الفنية الحديثة إلى أن الأصالة هي الارتباط بالأشياء اليومية اللحظية والزائلة والتعلق بالوقت الهارب واصبح الجمال عندهم هو جمال الأشياء العادية والتعبير عن هذه الأشياء هو الأصالة.

ولهذا بدأنا نرى الفنان يبحث عن أصوله وجذوره في نفسه وفي أعماقه، وقد حدد بعض علماء النفس التطبيقي بعد تجارب عديدة على بعض المبدعين من الفنانين معنى الأصالة كمايلي:

«هي شكل من أشكال الاستجابة للمنبهات، لها خصوصيتها وفيها خروج عن الاستجابة المألوفة للشخص العادي».

وفي المختبرات ربطوا بين الأصالة والجِدة المطلقة وتجاوز المألوف والذي  لايمكن رده إلى شخص آخر، وبالتالي هناك مبدعون يختلفون بطبيعتهم عن الآخرين ودراسة حالات الإبداع هي الوسيلة الوحيدة لخلق فئة فنية منتخبة من الفنانين القادرين على العطاء ويساعدون على خلق فن المستقبل.

ومن زاوية أخرى ظهر أن تعريف الأصالة بأنها حداثة مطلقة جعلها شكلاً فردياً من الإبداع يتجاهل الجانب الاجتماعي ومناخاته الحيوية، وتكمن خطورة هذا الفهم بأنه طمس كل أشكال الإبداع الأخرى عند الأمم والشعوب، وتناسى الفروق التي يمر كل شعب والفروق الفردية بين الأمم والجماعات والقوميات، والتي تمثل عاملاً مهماً لإغناء التجربة الفنية العالمية ورفدها بما هو مغاير لما هو مألوف.

ولعل أهم نظرية أعطت تغييرا ًجديداً للأصالة يخالف كل ما كتب عن الموضوع هي نظرية الناقد الشهير «هربرت ريد» في كتابه فلسفة الفن، والتي يمكن أن تلخص فيما يلي: «أن الحساسية الفنية ليست هي القيمة الوحيدة في الفن ذلك أن الحضارات المتعاقبة عند تطوير ثقافتها تخفف من أهمية هذه القيمة الأساسية بمزجها بقيم أخرى سحرية أو منطقية، لأن الحساسية الفنية تستخدم في  إطار اجتماعي وإن اختلاف الإطار هو الذي يفسر مختلف التغييرات التي تحدث في تاريخ الفن».

وهي تعني أن الأصالة الفنية لا يمكن أن نرجعها إلى الحساسية الفنية الإبداعية وقدرته الخلاقة على الخلق والإبداع بل هي رؤية جديدة تغتني بقيم أخرى ليست فنية محضة، ولهذا فإن الإبداع لايمكن أن يكون إبداعاً خارج إطار المجتمع وخارج التراث والمرحلة الآنية. وإلا لأصبح عبارة عن شكل فارغ من أشكال الرؤية.

وهكذا فإن الفن يبدو على أنه عالمي في بعض مظاهره، ولكنه متعدد الأشكال في تعبيراته الفردية والقومية، وقد تحدث نقاد الفن عن عنصر ثابت وعناصر متحركة ومتبدلة فيه، وإن هذه العناصر المتبدلة تعطيه القدرة على التلاؤم مع الظروف المختلفة ولهذا يبدو أن الفن يغتني دوماً بأشكال جديدة وقيم جمالية ورؤيوية جديدة.

وهكذا تتحول المعادلة الفنية، إذ يعود الفنان إلى ذات وثقافة تعطيه الخصوصية بدلاً من أن يغرق نفسه في البحث عن التجديد للتجديد، ويحس بأن أصالته هي في انتمائه إلى تراث نفسي وذهني وإنساني معين وليس في البحث عند الآخرين عما يملكون.

 

■  م . أنزو