سينما الأشباح
في الوقت الذي تلعب فيه السينما دوراً كبيراً في العالم، تستمر السينما السورية بالتراجع أمام وعود مستمرة في الخروج بالسينما من مأزقها.. الذي لا يتوقف الحديث عنه أبداً.. وعود .. وعود كثيرة .. إلاّ أن بعض هذه الوعود تبقى في إطار التسويف أو أن بعضها يسير ببطء كبير.. دون محاولة حقيقية للخروج من هذه الأزمة..
ونبقى أمام عدد من الأسئلة الهامة التي تتعلق بالدور الذي تلعبه هذه الأداة الإعلامية الثقافية الهامة، والتي باتت من أهم العناصر التي تؤثر في الرأي العام العالمي، لا بل وتؤسس للمستقبل في بعض الأحيان، وبالنظر إلى الطريقة التي تتعامل فيها المؤسسة السينمائية مع سينمانا، والتي تبدأ بإنتاج الأفلام مروراً بالمهرجانات وانتهاءً بصالات ودور العرض فإلى أين سنصل.. وهل سيبقى مواطننا محروماً من هذا الطقس الجميل؟ هل استطاع التلفزيون أن يخطف الدور الثقافي من دور السينما؟. حول واقع السينما، ونظرة الشارع لها أجرت قاسيون هذا التحقيق:
واقع دور السينما
من الصعب دخول دور السينما الرخيصة بسبب اهتراء مقاعدها وروائحها الكريهة. هذا ما عبر عنه الكثير من مرتادي دور السينما التي باتت تعد على أصابع اليد الواحدة، بعد ان مرت بمرحلة عاشت فيها نشاطاً لافتاً.. فورة كبيرة في فترات سابقة..
■ يقول خالد وهو احد المتابعين: أذكر أنني دخلت السينما مرة مرتدياً ملابس بيضاء وخرجت باللون الخمري بسبب الكراسي التي عفا عليها الزمن، ودهنت كيفما اتفق.
■ ويضيف، جهاد: أعتقد بأن مشكلة دور السينما في البديل الموجود في المنزل من تكنولوجيا متفوقة حيث الصورة النقية والصوت عبر أجهزة الديجيتال. لم تختلف الآراء أينما توجهنا بل كانت متقاربة في الكثير من الأحيان..
■ فها هو أحمد يتحدث وفي صوته توتر شديد ويسألنا: في الكثير من الأحيان تدخل دوريات الشرطة بقصد منع التدخين وفي الكثير من الأحيان تتطور الأمور إلى حد الضرب، وعندما قام بعض الأشخاص بالدفاع عن أنفسهم تعرضوا لإهانات وتدخلت دورية أخرى لحل المشكلة،إلا أن الأمور تفاقمت وكادت تتحول إلى مشكلة كبيرة.
■ ولم يتوقف عماد عند هذا الحد فأضاف: إذا بقيت أوضاع صالات السينما والخدمات بهذا الشكل المزري فعلى السينما السلام، فدخول الحمام وحده كافٍ كي لا يعود المرء مرة ثانية. يكفي أن نشاهد منظر الأطفال وهم يدخلون ويخرجون من دور العرض في أوقات متأخرة، أعتقد أن السينما كانت نعمة والآن تحولت إلى نقمة.
أما البعض الآخر من مرتادي دور السينما فلا يأبهون كثيراً لوضع السينما من جهة البناء بل ينصب اهتمامهم على ما تقدمه هذه الشاشات..
■ وهذا ما تحدث عنه حسن الذي قال إنه يحاول منذ فترة طويلة أن يجد فيلماً يشده بعيداً عن جاكي شان وأفلام بروسلي التي تنتمي إلى مرحلة الثمانينات، ويضيف: كله كوم والقص على الأفلام بهذه الطريقة العشوائية كوم، لا أعلم لماذا لا تستفيد وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما من تجارب بعض الدول القريبة منا كلبنان.
■ وتستذكر «عهد» بمسحة حنين: كانت السينما أيام زمان فسحةً ومتنفساً للعائلات واليوم أصبحت استراحةً لعابر السبيل وبعض العاطلين عن العمل.
■ وتضيف السيدة «نهى» في نفس التوجه: انقرضت السينما الجماهيرية
وحل محلها سينما المهرجانات، علماً أن هذا النوع من السينما يقتصر على أهل السينما من مثقفين ومهتمين. كيف يمكن الحديث عن سينما دون جمهور، إلاّ أن واقع هذه السينمات في تراجع مستمر..
■ وهذا ما يؤكد في حديث حكمت النملي: لم أدخل السينما منذ عشرين عاما ولا أفكر في الدخول عشرين مثلها إذا بقي حال السينما هكذا، إنها مكان لتجمع الحشاشين وغيرهم؟
■ أما البديل فهو فيما يقوله عبد الخالق: السينما طقس ثقافي لابد من المحافظة عليه، وعودة الجمهور مرهونة سلفاً بتطوير وتحسين الصالات وجلب الأفلام الحديثة الجيدة. إننا نتحدث عن أزمة حقيقية. ألا يتساءل البعض عن أهمية هذا الفن أليس هناك من يسعى لتطوير هذا الفن والارتقاء به إلى الأفضل.
محاولة إيجاد حل:
هل ينظر المسؤولون إلى هذه المشاكل بعين الاعتبار؟. هل يمكن أن توجد أذن صاغية لكل ما يدور من مشاكل حول واقع السينما؟؟..
■ يقول الياس: لطالما بقي الوضع محصورا بمؤسسة السينما وعلى مزاجها سيبقى مزاج الجمهور هكذا مقاطعاً للسينما وصالاتها، والمزاجية والعشوائية واضحة في المراقبة والقص وخاصة ما يتعلق بالفيلم السياسي علماً بأن الفيلم المبتذل أو الإباحي مفرج عنه وهذا ما يشاهده المرء على واجهات أغلب دور عرض السينما في دمشق، وما يهمني كشخص متابع للحركة السينمائية عموماً هو تحسين دور العرض كي ترتقي صالاتنا إلى مستوى مقبول ليعود الجمهور ثانية لدور العرض، وهنا بالتأكيد يجب تأمين الكرسي المريح للجمهور ليعيش داخل الصالة طقساً سينمائياً حقيقياً كما هو متوفر في أغلب دول العالم.
طبيعة الأفلام:
بالانتقال إلى واحد من أهم الأسباب التي يعود إليها الفضل في تراجع دور السينما فإننا سنجد طبيعة ونوعية هذه الأفلام هي سبب هام في تراجع السينما، فباتت تعرض أفلاماً بأي قيمة ثقافية ولو أن هذه الأفلام توجهت إلى الافلام المتقنة من حيث الصنعة لكان الأمر مقبولاً نوعاً ما إلاّ أن البديل كان أفلاماً من الدرجة العاشرة..
■ يقول جمال: أصبح الفيلم الدارج في دور العرض كاراتيه وعنف وجنس. أفلام بلا أي قيمة أدبية أو فنية.. وبالرغم من أن هناك أفلاماً تحقق معادلة المتعة وشباك التذاكر لكن يبدو أن هناك توجهاً كي نستقبل هذه النوعية السيئة من الأفلام.
■ ويستذكر حسن قائلاً: كان فيلم الأبيض والأسود أكثر تعبيرا عن همومنا وقضايانا وكنا نحفظ أغاني الأفلام عن ظهر قلب مثل فريد الأطرش وعبد الحليم الحافظ وكنا نشاهد أفلاما لكبار الكتاب كإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ. أما الآن فلنراقب، ما هي الأفلام التي تستقطب الجمهور دون ذكر أسماء النجوم أو الممثلين؟ أنظر إلى أسماء الأفلام فنظرة سريعة على دور السينما ستكتشف الإسفاف الذي وصلنا إليه.
■ وتضيف «سماح» صوتها إلى الآخرين قائلة: أتساءل: لماذا تستمر العروض الهابطة في صالاتنا بينما الفيلم الجيد ذو المغزى الفكري لا يستمر إلا لفترة قصيرة جدا كفلم «قمران وزيتونه».
■ ويستمر حديث الحنين إلى الأبيض والأسود مع الكثيرين فيتحدث كم نقش قائلاً: أتذكر دخول السينما مع أهلي آخر مرة في فيلم «زمان يا حب» لفريد الأطرش أعتقد بأن الناس اليوم يفكرون بلقمة العيش قبل أي شيء آخر.
■ وفي الوقت الذي يعزو البعض التدهور الحاصل إلى تغير الزمن فإن البعض الآخر يرى أن هذا التغيير مرتبط بأشكال الترفيه الجديدة التي ظهرت ومن أهمها التلفزيون، وربط بينها وبين الوضع الاقتصادي..
■ م . شمص: تدهور صالات العرض السينمائية في الفترة الأخيرة يعود لظهور الفيديو وأجهزة الاستقبال، وللوضع الاقتصادي المتردي المسبب للكآبة واللامبالاة تجاه الوضع برمته.
أراء من الداخل:
ولأصحاب دور السينما والعاملين فيها آراء أخرى فقد توجهنا إلى عدد من دور وصالات العرض السينمائية وجوبهنا بالكثير من الأحاديث
●● سينما دنيا:
الصالة لا تغطي نفقاتها ولم يعد هناك جمهور سينمائي ومنذ عام 1985 والسينما في تراجع مخيف.
●● صالة سينما الكندي:
إن البطء الذي تتم فيه الإصلاحات لا يبشر بالخير، علماً أن مهرجان دمشق السينمائي على الأبواب وهي الصالة الوحيدة التابعة للقطاع العام.
●● صالة سينما الفردوس:
الصالة كاملة مكملة، والحق على الجمهور الذي لا يحضر السينما.
●● صالة سينما أمير:
الضرائب كبيرة وفواتير الماء والكهرباء تصل لحدود 50 ألف ليرة سورية والحضور في الصالة لا يتجاوز خمسة أشخاص أحياناً ولذلك نضطر للعرض المتواصل، ورغم ذلك لا فائدة وأحياناً نضطر للاستغناء عن بعض العاملين لتغطية النفقات وإذا استمرت الأمور هكذا سأغلق الصالة نهائياً.
●● صالة سينما السفراء:
■ عمر كلاس: أنا أعمل في شباك التذاكر منذ عام 1975 والسينما في تدهور مستمر ولم أشهد تطوراً يذكر على صعيد الصالات والجميع يخافون من التجديد خوفاً من الخسارة وعدم التمكن من استعادة المال الموظف في هذا المجال والوضع الدولي يؤثر، فقبل احتلال العراق والتهديدات لسورية كانت الأمور أفضل، واليوم نسبة الحضور في اليوم الواحد لا تتجاوز العشرين شخصاً، يعني بالنتيجة الصالة خاسرة وأوضاع العاملين في هذا القطاع سيئة. أعتقد أن السينما بحاجة لحلول مناسبة تكشف العيوب والنواقص وتعيد جمهورها إليها.
إلى من يعزى هذا التراجع؟... حتى أن إحدى الصحف المحلية قامت قبل ما يزيد على السنتين بإيقاف صفحة تهتم بشؤون السينما، وذلك بسبب ما كان يمكن أن يحكى أو يكتب فيها، هناك الكثير من الأشخاص ممن يعون كل ما يحصل في هذا القطاع الثقافي الهام الحيوي.. إلاّ أن الرغبة في القيام بالفعل تقف وراء أي تحرك.. إن الوضع السينمائي في سورية لا يخفى على أحد والجميع يعرف إلى أي درك وصلت إليه بشتى مجالاتها، إلاّ أن هذا التحقيق ربما سيحقق بالتراكم إلى جانب تحقيقات أخرى تهتم بهذا المجال على الدفع باتجاه اتخاذ خطوات حقيقية للنهوض بجانب واحد على الأقل من الجوانب المرتبطة بالسينما في سورية.
■ تحقيق: إبراهيم نمر - سوزان سالمة