زيارة لفضاء فاتح المدرس الخاص في ذكرى رحيله صنع شمساً وتركها لنا

من يذكر دمشق في نهاية القرن الماضي عليه أن يذكر ذلك القبو تحت الأرض بالقرب من نادي الشرق في ساحة النجمة. فضاء  بألوانه، إضاءته الخفيفة، وروائحه المختلفة، وأرواح الكثير من الشخوص تهيم في المكان، حنين إلى زمان حاضر في ذلك الوجه المليء بأشياء كثيرة، الفنان العالمي فاتح المدرس يختصر الزمان والمكان.. ويضعهما بين أصابعه،  رسم شمساً ثم سافر -كما تقول زوجته - وترك لنا شمسه، في الذكرى

السنوية لرحيل فاتح المدرس زرنا ذلك القبو الذي مارس فيه طقوسه فترة طويلة من عمره، دخلنا ورحبت بنا شكران إمام زوجته ففتحت لنا بعضاً من أوراقه التي كانت مكتوبة على الجدران، وبعضاً من أشيائه التي كانت مرمية هنا وهناك وكان بيننا حوار قصير:

 ■ لماذا يخاف الفنانون والأدباء من أن يحنطوا بعد موتهم، في حين أن فاتح المدرس رغم كل الكتابات التي ظهرت عنه، وكل الرسومات التي أطرت على صفحات الكتب، لم يحنط ولم يكن يخاف من ذلك؟

■■ لأنه ينتمي إلى الحياة ولا يعترف بالموت، حتى في حياته لم يعترف يوماً بالموت. عندما تحنط شخصاً ما،  يكون هذا الإنسان قد أنجز كل ما لديه، يكون منجزاً ومنتهياً، أما ما تركه فاتح لا يزال إلى الآن يثير الجدل. فهو موجود في أكثر من مجال، وكلما أتى ذكره حضر من جديد، يجب أن نخرج من حالة إقامة نصب وتماثيل جديدة، لأنها باردة ميتة لا تشبه أصحابها، بينما فاتح الذي نتحدث عنه حي. أو كأنه كأحد أصدقائنا الذين يسافرون، مسافر سيعود.

■ ما الذي تقومون به في ذكرى رحيل الأستاذ فاتح المدرس؟

■■ المرسم مفتوح دائماً للجميع، وكل من يريد أن يأتي إلى المرسم مرحب به، لكن ما يتغير في ذكراه، هو الشموع التي تملأ المكان، وهذا تقليد كان فاتح يقوم به ويحبه، لأنه يحب الأنوار الخافتة ولا يحب الأضواء الباهرة، تأتي مجموعة من أصدقائه وتلامذته، وقد نرفع نخبه، ومنا من يتخيل أو يعتقد أنه في لحظة ما سيدخل فاتح وبيده كأسه أيضاً، ويخبرنا: لا تعرفون كيف تشربون لا يمكنكم أن تعملوا كوكتيلاً بهذه الطريقة، وبالمناسبة ماذا تفعلون هنا...

المكان ليس مهما بقدر الروح التي تجول فيه، الذكريات المليئة في هذا المكان، كتابات فاتح، اللوحات التي تنتمي إلى مراحل مختلفة.

■ هل تعتقدين أن لهذا المكان عتمته، وتكوينه وموقعه الجغرافي دور في أعمال فاتح؟

■■ المكان هو مكان محايد، حتى تستطيع الذاكرة بنبضها القوي في هذا المكان أن يعود ويخترع شمسه الخاصة، لا يحتاج إلى شمس أخرى، شيء ابتكره هو دون تدخل، لم يحدد الزمان والمكان عمل فاتح. المكان هو مكان افتراضي وجود فاتح فيه هو الذي يعطيه خصوصيته.. ومن هنا يأتي رفضي أن يحبس فاتح في مكان واحد، يرتبط فيه، فكل مكان كان فيه أصدقاء يحبهم كان فاتح موجوداً، في دمشق وغيرها من المدن.. 

 

كان يحب الصمت، يجلس على مرجوحته العتيقة في سطح بيتنا القديم، صمته هو مكانه، عندما يكون تعباً من ضجيج المرسم وكل القادمين، يعود إلى البيت لا يرغب في أن يسمع أي صوت، كان يكتب في البيت لأن الكتابة تحتاج إلى حجب العالم لولادة عالمك الخاص، عندما كان يشعر أن الثرثرة الأدبية دخلت إلى لوحاته كان يعيد رسمها، ويعيد الاشتغال عليها، وليتخلص مما بقي من كلام كان يكتب ولا يرسم.