إنجي أفلاطون  1924 ـ 1989 مناضلة شيوعية على المستوى العالمي

أصدرت دار سعاد الصباح مشكورة كتاب «مذكرات إنجي أفلاطون» عام 1993 (1) قدم للكتاب الرفيق سعيد خيال وجاء في المقدمة:

«إنجي هي المناضلة الاشتراكية، كانت دائماً في الطليعة والمراكز القيادية. كانت بحق رائدة وزعيمة الحركة النسائية. لقد ضحت كثيراً في خدمة مصر وشعبها، كما أسهمت باقتدار عظيم في النضال الإنساني العالمي».

«إن مذكراتها ليست سيرة ذاتية فقط، فحين تذوب الأنا وتتوحد الذات في المجتمع وتنحاز الشخصية بكليتها لجماهير الشعب، حينئذ تكون السيرة في الحقيقة وطنية، اجتماعية وشعبية وإنسانية، وهكذا كانت إنجي أفلاطون».

كيف عرفت إنجي؟

في عام 1944 كنت في مصر، واشتركت في نشاط «لجنة نشر الثقافة الحديثة» وفجأة دخلت الدار صبية تتألق جمالاً ورشاقة هي الأنسة «إنجي».

قالوا لنا: إنها فتاة أرستقراطية تملك 50 فستاناً و50 حذاء، إنها تتسلى بالتقدمية والاشتراكية وعما قريب سوف تمل التقدمية والاشتراكية وستعود إلى منبتها الطبقي.

فإذا هي تكذّب مازعمه الزاعمون وتصبح زعيمة الحركة النسائية الشيوعية في مصر.

إنها لظاهرة عجيبة في المجتمع: أرستقراطي يتخلى عن طبقته وينحاز إلى طبقة المسحوقين ويصبح زعيماً من زعمائها وفلاح فقير يتخلى عن طبقته ليصبح عدواً لها وينضم إلى سارقي قوتها.

كانت إنجي صديقة سعيد خيال رئيس لجنة نشر الثقافة وامتدت صداقتهما خمسين عاماً، عرفني سعيد بها وكنا نسهر جميعاً في المقاهي والحانات، وانقطع سعيد عن لقاءاتنا واستمر لقائي بإنجي، وحين سألته عن سبب انقطاعه قال لي: أنت غريب يا عبد المعين وتركت لك صداقة إنجي. قدرت له موقفه ورفضته في آن واحد وقطعت علاقتي بإنجي وعدت إلى سورية.

تلخيص المذكرات:

■  اسرتها أسرة إقطاعية أرستقراطية شغل جدها نظارة الجهادية والبحرية في عهد محمد علي الكبير، وتوفي عن تركة و اسعة من الأطيان الزراعية، درس أبوها العلوم في سويسرا، وأصبح عميداً لكلية العلوم.

■  دخلت أنجي مدرسة ( القلب المقدس) وتمردت على أساليبها التربوية وانتقلت إلى مدرسة (الليسيه).

■  خطت أولى خطواتها في طريق الفن ، وكانت موضوعات فنها في الدرجة الأولى الفلاح المصري ونضال الإنسان من أجل التقدم والحرية.

■  ظلت حتى التاسعة عشرة من عمرها تتكلم اللغة الفرنسية ولاتعرف العربية، ثم تعملت اللغة العربية لتخاطب شعبها بلغته.

■  تمردت على أمها فرفضت الذهاب إلى فرنسا لتبقى مع شعبها.

■  انتسبت إلى تنظيم شيوعي وبدأت العمل السري.

■  أثار غضبها الوضع المتخلف المهين للمرأة المصرية وخاصة فلاحات مصر. فقررت تحريرهن.

■  أقامت أول مهرجان للنساء التقدميات عام 1946.

 ■ تزوجت قاضياً تقدمياً عام 1947.

■  أصدرت أول كتاب لها عنوانه (80 مليون امرأة معنا) فهاجمتها صحف النظام ودافع عنها الشيخ الأزهري (خالد محمد خالد) وكتب لها مقدمته طه حسين.

■  ثم أصدرت كتابها الثاني (نحن النساء المصريات) عام 1950.

■  أصبحت عضواً مؤسساً في لجنة أنصار السلام.

■  اشتركت في أول مؤتمر لاتحاد النقابات الديمقراطي العالمي سنة 1945.

■  اشتركت في أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وأصبحت عضواً فيه.

■  اشتركت في مهرجان الشباب الدولي عام 1947.

نكتة:

داهم زوار الليل بيتها. وكان زوجها (حمدي) يحب مكسيم غوركي كثيراً ويضع صورته على مكتبه وسأله الضابط: صورة من هذا؟

قال حمدي: صورة جدي.

وبقيت صورة غوركي على المكتب.

■  حضرت مؤتمراً صحفياًعقدته «لجنة السلام الإيطالية» وسألوها هذا السؤال وكان ذلك في عهد جمال عبد الناصر: كيف تفسرين سياسة الحكومة الوطنية في الوقت الذي تقبض فيه على الشيوعيين؟

وكان جوابها: إنه تناقض بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، وهو نقطة ضعف تهدد إنجازات جمال عبد الناصر وتضعف ولاشك الجبهة الداخلية.

■  اشتركت في الدفاع عن قناة السويس خلال العدوان الثلاثي على مصر ودربت النساء على حمل السلاح.

■  مات زوجها حمدي بانفجار في الشريان عام 1957 على أثر ضرب رجال المباحث له ضرباً وحشياً.

■  قبض عليها عام 1959 ـ وظلت في السجن حتى عام 1963.

■  كان سلوكها في السجن نموذجياً، قالت:

«هكذا الإنسان يستطيع أن يتأقلم ويتكيف مع أي ظروف صعبة تحيط به طالما هو قوي وطالما  هو إنسان». ثم كتبت: «إننا هنا وفي السجن عالم القيود والسدود، في عالم لاقيمة فيه للحقوق ولاقيمة فيه لحياة الإنسان».

■  قال لها اللواء رئيس مكافحة الشيوعية: ليه كده بتبهدلي نفسك وأنت من عائلة كبيرة.

فأجابته في كبرياء: أنا حرة. دعني في حالي.

إنجي أفلاطون الفنانة:

مارست إنجي الرسم حتى في السجن. وكانت رسوماتها تكاد تكون مقتصرة على رسم الطبيعة المصرية والشعب المصري. وفلاحيه وفلاحاتها على الخصوص وبلغت مستوى رفيعاً في الفن ونالت جوائز كثيرة ومن لوحاتها:  روحي إنت طالقة والزوجة الرابعة، ويعملن كالرجال، ولن ننسى، وأسعدت إنجي الصورة التي رسمتها لطفلة صغيرة (أمورة) واقفة وراء الجدران والأسلاك الغليظة القبيحة، ونظرات الطفلة تخترق كل هذه العوائق لتصل إلى الدنيا دنيا الأحياء والحرية… وكانت إنجي في السجن.

الخلاصة:

تلك هي إنجي افلاطون ـ في اختصار ـ تلك التي تمردت على طبقتها وانضمت إلى طبقة المستضعفين والمسحوقين وأصبحت مناضلة شيوعية على المستوى العالمي.

أقترح أن تقرأ الفتيات العربيات هذه المذكرات الثمينة لتكون لهن نبراساً في نضالهن لبناء وطن حر وشعب سعيد.

■ عبد المعين الملوحي

 

«شيوعي مزمن»