حوار مع المخرج د. عجاج سليم

قوانين من عمر المسرح القومي باتت بحاجة ماسة إلى التغيير

■ المؤسسة ليست مزرعة أو أملاكاً خاصة

■ لم أقم قطيعة مع ما كان قبلاً

تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية وأخرج عدداً من الأعمال المهمة لصالح المسرح القومي، قبل أن يسافر إلى الاتحاد السوفيتي لمتابعة الدراسة هناك ونال الدكتوارة في الإخراج المسرحي،  ثم عاد إلى سوريا وتابع نشاطه وعمله ليسافر بعد ذلك إلى الإمارات ويعمل هناك، ليعود بعد ذلك ويتسلم منصبه كمدير للمسرح القومي في دمشق ولا يزال، خلال الفترة الأولى لتسلمه منصبه أستطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات، فقدم المسرح القومي موسمين مسرحيين غنيين أطلق عليهما البعض ((الفورة)) في المسرح السوري.

التقت «قاسيون» مع الدكتور عجاج سليم وأجرت حواراً معه عن علاقة المسرح مع المؤسسات ورؤيته للحركة المسرحية في المستقبل، وعلاقته مع الحركة النقدية.

■  ما هي الآليات التي اتبعتها للسير في خطة المسرح القومي لدى عودتك إلى سورية وتسلمك منصبك كمدير للمسرح القومي في دمشق ؟

■■ أولاً لم أرغب في أن تكون هناك قطيعة مع ما كان قبلاً،بل أردت أن يكون عملي استمراراً له. فراجعت الأعمال والتجارب السابقة، وعدت إلى ما كتب عن تقيمها، ثم بدأنا بعمل جماعي، ليس على أساس أننا موظفون- وهذه آلية لا أرضاها لنفسي أو لزملائي- بل كمجموعة، كورشة عمل، في محاولة للوصول إلى النتائج قبل البدء بالعمل الحقيقي.

حتى قبل أن أدخل إلى مكتبي أجريت اتصالات بمجموعة كبيرة من المخرجين والعاملين في المسرح، وآخرين لهم رغبة بأن يعملوا في المسرح وتكون لهم تجاربهم الخاصة. قمت بعملية حصر لهذه الأسماء، اجتمعنا بعد ذلك وكان هذا الاجتماع مفتاحاً للعمل فيما بعد، فمهما كنت مؤمناً بصوابية رأيي، توجب عليَّ أن آخذ بآراء الآخرين.  بدأنا بمجموعة كبيرة من الجلسات لمدة شهر ثم قررنا أن يصبح اجتماعنا  أسبوعياً.  أدت هذه الحوارات إلى ظهور الكثير من المشاكل  التي يواجهها العمل المسرح إلى السطح، فبدأنا التفكير في كيفية التعامل مع إدارة العمل المسرحي بكل جزئياته الصغيرة، وأكدنا على ضرورة الاحتفاظ بالفارق بين العمل الفني والعمل الإداري.

لقد وضعنا مجموعة من الأولويات منها إنجاز الأعمال ضمن مواعيد محددة لأن هذه الأمور شكلت أزمة وغابت الثقة بين المتفرج وبرنامج المسرح. بالإضافة إلى ارتباطها بالناحية الإعلانية، وفقاً لتجربتي أعتقد أن جزءاً كبيراً من الإعلان في مسرحنا يتبع للأسبوع الأول في العرض.. كما عملنا على أن نسيطر أول الأمر على الناحية التنظيمية والإنتاجية بشكل كبير كي لا تواجه أي من الأعمال بصعوبات خلال العمل، واهتممنا بالجانب التسويقي بشكل كبير. 

لقد استطعت مع المجموعة التي عملت معها أن نحقق جزءاً من المهام، وكان النتاج موسمين مسرحيين متكاملين إلى حد ما، وأنا لا أقول أننا استطعنا تحقيق الكثير مما كنا نحلم به- وللأسف أقول الآن أحلام بعد أن كانت مطالب أساسية- لكن ما وصلنا إليه كان يدعو وقتها للتفاؤل. والآن عندما أتذكر عبارة ((لم يعد هناك محلات)) أشعر بالسعادة.

■  ما هي الأسباب التي أدت إلى مهاجمة هذه الفورة؟

■■ أعتقد أنه أمر بديهي، عندما يكون هناك عمل حقيقي ذو نتائج واضحة، فمن الطبيعي أنه سيواجه الكثير من التقولات والأسئلة، ولا أود أن أسميها هجوماً أو حرباً. لقد تابعت جميع الملاحظات التي وجهت لي بكل اهتمام وعملت على تسجيلها وحاولت الاستفادة من جزء كبير منها، فلكل إنسان وجهة نظر وتفكير خاصة بالمسرح، فستختلف حتماً وجهات النظر، وأعتقد إن اتفقت جميع وجهات النظر عندها سيكون هناك خطأ ..

 الأسباب الرئيسية التي فتحت الكثير من الأسئلة حول هذه المرحلة أو الفورة سمها ما شئت، هي حول إتاحتنا الفرصة للكثير من الأشخاص للعمل في المسرح القومي، حتى اصبحت هناك نكتة تقول: إن كان لديك مشروع مسرحي وكنت ماراً بالقرب من المديرية فتقدم به، الأمر ليس هكذا بالطبع، إلا أنني نظرت إلى الأمور من هذه الزاوية: نحن لا نملك معهداً لدراسة الإخراج، والخريجون العائدون من البعثات قلائل، ونحن بحاجة إلى اسماء جديدة، فقمت كما ذكرت سابقاً بفتح الحوار مع الجميع، فقُدِمَت لنا مشاريع كثيرة اخترنا منها 17 مشروعاً بعضها نجح والآخر لم ينجح، الأمور نسبية، لكننا في النهاية كسبنا مجموعة من التجارب الجيدة بل الهامة، أذكر منها تجربة عبد المنعم عمايري في (صدى) وهي تجربته الأولى، كما كسبنا غسان مسعود في (كسور) الذي كان غارقاً قبلاً في التدريس بالمعهد، بالإضافة إلى غيرها من العروض الجيدة. تمسكنا بهذه التجارب الجيدة ، وكنت أريد أن تتفعل هذه الاسماء في المواسم التي تلت إلاّ أن مجموعة من الظروف حالت دون ذلك. ولقد كان للأستاذ أسعد فضة دوره الكبير في هذه

المرحلة من خلال طريقة تعامله، واريحيته، فهو  يعرف دور مدير المسرح القومي وبرنامجه الواضح، ويترك مجالاً واسعاً للعمل ولا يلغي الآخر،  ويجب أن اشكره كثيراً على هذه الناحية. 

■  ما هي المشاكل التي واجهتك أثناء سير مخططات عملك؟

■■  لقد واجهنا الكثير من المشاكل، وحاولنا التوجه إلى أكثر من جهة وأكثر من وزير، بمطالبنا. سمعنا إجابات مرضية في أغلب الأحيان إلاّ أن الأمور تباينت في النهاية. لكنني أعتقد أن العوائق الأساسية كانت وما زالت هي مجموعة القوانين الضابطة للعمل، وهي قوانين باتت بحاجة ماسة إلى التغيير فعمرها من عمر المسرح القومي 40 عاماً، نحن الآن بحاجة إلى إعادة هيكلة لهذه القوانين والبنى التي تحكم مسرحنا، لقد تحقق جزء من هذه التغييرات خلال الفترة السابقة ولا نستطيع أن نبت الآن بما سيتنج عنها سلباً أو إيجاباً، لكن هذه التغيرات يجب أن تكون مفتوحة دائماً وقابلة للتغيير والتطور.

■  إلى أي مدى نستطيع أن نرى في مديرية المسارح بنية مؤسساتية حقيقية؟ 

■■  كهيكلية وإدارية هو حتماً مؤسسة، لكن الأمور على الورق لا تكفي، يجب أن تكون هناك عقلية إدارية عميقة تعتبر نفسها جزءاً من الكل، وتنظم عمل المجموعة وتحرضها، عندنا ثغرة كبيرة بما يسمى الإدارة الفنية، المدير الفنان، أو الفنان المدير، سمها ماشئت. لكنه حتى لو كانت لنا ملاحظات على هذه المؤسسة يجب أن تكون هناك مؤسسة بأشكال هرمية أو أفقية كيفما وصفتها يجب أن يكون الجميع في هذه المؤسسة عضواً في مجموعة، مصلحته أن ينجح نتاج هذه المؤسسة، مصلحته أن تحضر الناس العروض، وأعتقد أن أمل أي فنان هو أن يصل إلى الجمهور، من الناحيةالتاريخية.

■   بين الحين والحين نستطيع أن نرى مجموعة من المحاولات والتجارب الجيدة في المديريات التابعة لوزارة الثقافة فهل تعتقد أن التجارب هي محاولات فردية أم أنها نابعة من بنية مؤسساتية؟

■■ هناك جانب فردي حتماً له علاقة بحِلم وإصرار ومتابعة، وهناك جانب مؤسساتي يحاول تأمين الظروف بشكل صحيح بالنسبة لأي عمل فني بكل أشكاله، بدءاً من الكتاب ومروراً بالفيلم وانتهاءً بالمسرح. هذا الجانب له صلة بطبيعة هذه المؤسسات وأنظمتها وحدود صلاحياتها. الآن تمت إعادة النظر في بعض القوانين والإمكانيات التي تحد من إمكانيات هذه المؤسسات. في النهاية نحن أبناء هذا البلد ونعرف كيف تجري الأمور، يجب أن يكون هناك انفتاح في عقل المؤسسة على كل الجهات تحديداً المؤسسات الفنية يجب أن يكون هناك نافذة تفتح على كل الجهات..

■  ماذا ترى في التجربة المسرحية إلى الأمام؟ 

■■ الآن الأمور لا تزال غائمة وضبابية وقابلة للتأويل والاحتمالات في حال ترسخ نظام داخلي حقيقي لمؤسسة وتم التعامل بعقلية جزء من مؤسسة وليس صاحب المؤسسة أو مزرعة، يمكن أن تكون الأمور أفضل، وبدون مؤسسة ستبقى الأمور غير واضحة.

من الصعب أن يتغير كل شيء بين يوم وليلة، في المسرح لا تأتي الأمور بسرعة، كثورات، تحتاج إلى تراكم على كافة المستويات، وجو صحي وجهات نظر متعددة، تحتاج إلى الكثير من التخطيط ومتابعة مستمرة، يجب أن يكون هناك دور ورأي للعاملين في المسرح، وربما يجب أن يكون الاختيار لبعض المناصب عن طريق ديمقراطي، كأن يكون هناك مخرجون يختارون رئيساً لدائرة المخرجين  (كبير مخرجين) (مدير مسرح)، ربما تحتاج إلى انتخابات كانتخابات النقابات.

■  كثر الحديث والهجوم على قسم (الدراسات المسرحية) النقد سابقاً في الفترة السابقة فما رأيك بهذا الهجوم؟

■■ في كل معاهد العالم هناك قسم دراسات أو قسم نقد أو غيره، مجرد تسميات، لكن هذا القسم موجود وحاضر وبقوة في كل دول العالم. وأنا  لا اريد أن أتحدث عن أهمية خريحي هذا القسم، احتلوا مجالات واسعة في الحياة الثقافية والفنية في المجتمع السوري الصحف، التلفزيون أوعلى خشبات المسارح. ولا يجب أن ننظر  إلى الأمر من زاوية ضيقة فالقسم لا يتوقف عند النقد الذي يكتب في الصحف فقط، إنها جزء من كل.

قد نشكو من قلة مواكبة النقد المسرحي السوري للحركة المسرحية بين مد وجزر، قد تكون لي بعض الملاحظات على بعض المواد التي تدرس في المعهد، وهذا حقي كما هو حق الآخرين، من النقاد  ألا تعجبهم أعمالي - أنا مع النقد بكل أشكاله- لكن ليس من حقي أن ألغي قسماً أو أهاجم قسماً برمته.

أسوة بباقي الدول العربية والغربية أعتقد نحن بحاجة إلى تنشيط مادة المسرح وعلاقتها مع مادة المسرح.. وهذه تقع على عاتق طلبة الدراسات بشكل رئيس.. بدءاً بالمنشط المسرحي في المسرح التربوي والتعليمي الذي يؤسس لثقافة مسرحية، يخلق علاقات اجتماعية متطورة وصولاً إلى التنشيط المسرحي في النواحي والمناطق النائية، وفي أطراف المدن وغيرها عملية تنشيط متكاملة، أرى أن الأزمة أزمة سوق عمل.. ويقع على عاتق الدولة جزء كبير لحل هذه المشكلة .. من فتح منافذ لعمل هذا الطالب الذي يتخرج مع حصيلة معرفية كبيرة.

إن آراء بعض الناس في هذا القسم هي آراؤهم الخاصة وأنا أحترم خصوصيتهم لكنني أختلف معهم... فهذا القسم الذي يندرج تحت مسمى الآداب والفنون الإنسانية، لا يجب أن يهاجم وأرى أنه خطأ كبير، لكن لكي لا نصل إلى هذه الدرجة وكي نتلافاها أن نقوم بعدة أمور أولاً توصيف أفضل لهذا القسم وأهدافه ثانياً: تأمين مجال للعمل، ووضع الشخص السليم في  المكان السليم، ويجب أن لا ننسى أن تفعيل العمل والتجربة المسرحية تقع على عاتق الدارس المسرحي  كما هي على عاتق الممثل.

فإذا كان الهجوم متعلقاً بمقال لم يعجبني فإنني أرى أن هذا كلام غير مسؤول.. إنه قسم موجود تحت عنوان عريض هو المسرح.. يجب أن نعززه ونطوره ونتيح المجال لطلابه..

 

وأعتقد أنه لا يتوجب علينا إغلاق القسم بل أن نزيد من عدد خريجيه، فنحن نحتاج إلى  أكثر من 80 خريجاً ليعملوا على تطوير المسرح وفهم المسرح والدراسات وبالتالي تطوير النقد في البلد.