إحراق الأوراق الثقافية
«شيلة بيلة» هذه هي النظرية المتبعة في الإعلام العربي، الذي يهجم على أي شيء حتى يطرحه أرضاً يسقطه، يذبحه يمزقه إرباً. تنقسم هذه الهجمات إلى نوعين: الأول هجوم يفسد الأراضي الجميلة، الحدائق الغناء، والجبال الشاهقة، حتى في رسومات الأطفال البريئة. أما كيف تتم هذه العملية؟ فالطريقة لا تتم بزرع نفايات نووية هنا وهناك، أو جرف طريق في منتصف غابة، كأن الطريق إذا لم يمر من هذه الغابة فسوف يتأخر المواطن عن عمله، كما أن التخريب لا يوجد في دخان المازوت الفاسد الذي يدخل إلى رئتي (أكبادنا تمشي على الأرض)، ولا بأي من وسائل التلويث الأخرى؛ بل بطريقة مدروسة، تبدأ أولاً: بخروج مصور رديء إلى المناطق ليلتقط صوراً للطبيعة الغناء وظل الكاميرا لا يغادر الكادر المُصَوَر لـمناطق مثل (عين الخضرة -عين الفيجة - بلودان - نواعير حماة - وفي الحالات المتطورة أم قبيس وأم الطيور)، ليمتعنا بهذه الصورة التي لا تتوقف عن الدوران والارتجاج حتى تصيب المتفرج بالغثيان، مرفقة بألحان لموسيقى أغاني أم كلثوم، ومن بعدها تظهر حسناء من حسناوات الشاشة الفضية، لتقول «مساء الخير».
تتكرر هذه الصور كل يوم، كأن الجمهورية العربية السورية، لا تمتلك إلا هذه الصور لتعرض على المواطن المسكين، وفي حال أرادوا التطوير فسيخرجون مصوراً آخر بنفس المواصفات، لكن أكثر شباباً، ليصور نفس الطبيعة الساحرة، لتمتع المواطن وتؤنسه على شاشة الإمتاع والمؤانسة. على الرغم من وجود آلاف لا بل ملايين الأماكن التي من المكن أن تصور وتسوق وتسيح في سورية. أما عن مصداقية هذه الصور فنهر بردى الذي تهدر مياهه في الصور هو أكبر دليل على مصداقيتها.
هذا عن الهجوم الأول، أما الهجوم الثاني فيتعلق برموزنا الوطنية وقضايانا. فقد سمع أحد المسؤولين عن الإعلام بالمصادفة دور التكرار والتراكم في تثبيت الأمور في أدمغة المشاهدين، ولو كان الهجوم هذه المرة على المناطق السياحية لكان الأمر مبلوعاً لكن الهجوم هنا يتم على الانتفاضة.
فقد بدأ الأمر مع الشهيد محمد الدرة الذي استشهد مرتين، الأولى على يد الصهاينة، والثانية على يد القنوات العربية، فلا يكاد يمر يوم إلاّ وتتكرر صورته أو اسمه مئات المرات بطريقة عشوائية على هذه الشاشات. إذا تابعنا تدرج حالات الغضب في المعاجم لوجدنا أن الغضب يتطور بالشكل التالي: أولاً الغضب، فالسخط، الغيظ، من ثم الحرد، وأخيراً الحنق، فإذا تطورت حالة المواطن عند بث هذه الصور لأول مرة وصولاً إلى الحنق، فأين سيذهب بحنقه المتراكم كله يوماً بعد يوم، ويضاف إليها حالة الحنق المستمدة من غلاء المعيشة، البرامج المفبركة، صورة (جورج . دبل يو . بوش) على التلفزيون، إذاعة سترايك أصدقاؤها، أغانيها الشبابية، وغيرها من مسببات الحنق وأخيراً صور أم الطيور ومذيعة مبتسمة تقول: مساء الخير، فما ذنب كل المناضلين أن يحشروا بطريقة «شيلة بيلة» داخل الأقنية العربية وكل التناقضات التي تحملها.
إن آليات التكرار والتراكم وكيفية صنع المعلومة التي يُعمَلُ بها في أجهزة الإعلام الغربية تجري وفق معايير وحسابات، ويقوم على إنجاز هذه المهمة طاقم من الخبراء، الفنانين، علماء رياضيات، أطباء نفسيون، ولا علاقة لهذه العملية بطوشة عرب تبدأ بكلمة (عليهووووم) كما هو الحال في قنواتنا العربية. وأنا هنا أتكلم بحسن نية، ولو كنت أريد أن أتحدث بغير ذلك لكبتت عن مؤامرة وراءها جهات خارجية تهدف إلى تدمير الطبيعة، الرموز، والقيم الجمالية، بالطرق الآنفة الذكر، لكنني أفضل أن أربط الأمر كله بآلية تفكير مستمرة تبدأ بـ (يا ولاد محارب يويو) وتنتهي بـ (شن غليلة شن غليلة الله يعينه على هال ليلة) لكن مبثوثة بطريقة ديجيتال.