عمرو سواح عمرو سواح

إحراق الأوراق الثقافية: أمريكا: يوليوس قيصر

كثر هم النقاد والدارسون لأدب شكسبير الذين يؤكدون على دوام وقوف مسرح شكسبير بصمود أمام كل المتغيرات، وقابلية مسرحياته على أن تلبس لبوس العصر الذي تأتي فيه… لم يخطئ كثير من هؤلاء النقاد والمنظرين.

فها نحن على أعتاب خريف العام 2002،  من جديد تنبجس منه صورة التاريخ نفسه، «منبثقة من ملامح ملوك ومغتصبين في مسرحيات شكسبير التاريخية». وهاهي «الآلة الكبرى» - التسمية التي استخدمها جبرا في ترجمته لكتاب يان كوت «شكسبير معاصرنا»-  تعود لتعمل بفاعلية أكبر في تاريخ امتلأ بالدماء والقتل لتغدو مسرحيات سينكا وشكسبير مقارنة بالواقع تحمل طابعاً مغرقاً بالغروتسكية المريرة، معكوسة هذه المرة، فلا يبدو الدم المسفوك على خشبة المسرح والشخصيات التي تقتل بالكافية لمحاكاة الواقع اليومي والمعاش لصعود أمراء وهبوط نجوم ملوك، أو بزوغ دول واختفاء أخرى،  هاهي المدن والبلاد التي يختصرها شكسبير في مسرحه باتت مختصرة فعلاً في عالم أخذت الأنظمة القمعية فيه تفوق شرطية ومخيلة أعتى المسرحيين.

 كيف يمكن أن نقرأ الواقع وقد تحول شرطياً أكثر من المسرح نفسه؟ إن إمكانية تقديم أعمال شكسبير أصبحت أقوى بكثير من الوقت الذي كتبت فيه، فقد أصبحت شرطية مسرحه كتقاليد كتابة أو عرض في المسرح، أمراً بديهياً ففي هذا العصر لم تعد الشرطية تطال الدراما فحسب بل تمتد إلى الاقتصاد والإعلام والسياسة.

الأوراق المالية لم تعد تزن كيساً ذهبياً في الكف أو مجموعة بغال في اسطبل، أصبحت الأموال أسواقاً وبورصات وأرقاماً متتالية ومتغيرة في كل ثانية، ليصبح تاجر البندقية متعاملاً في سوق طوكيو أو نيويورك … أو بيروت.. إلخ.

العالم يزداد شرطية، فلم يعد الأساقفة، الأمراء، أو الملوك يُخلعون بنفس الطريقة لأن الرئيس أو الملك نفسه لم يعد ملكاً، إنه منظومة مستشارين وفنيين ووزراء ومجلس نواب في العلن من جهة، ومنظومة خيوط سرية ومتشابكة من جهة أخرى، لتنتفي نظرة العهر عن أن، تصبح كليوباترا عاشقة من نوع آخر، وتصبح مساومات ريتشارد الثالث أكثر وضوحاً،  وتكتسب حروب مسرحيات شكسبير التاريخية مصداقية أكبر.

العالم يُختزل في أحرف وأرقام في ظل تلك العوالم الرقمية لم يعد هناك جيشان يقفان أمام بعضهما البعض ليقتتلا لقد دخلنا في عالم الحرب الإلكترونية تلك التي تستطيع أن توقف بلداً عن الحياة، لتوفر على أتفه المخرجين مشاهد سفك الدماء الواقعية على الخشبات.

وليختفي القتلة المأجورون من على خشبة المسرح ليبقوا بوظائف شاغرة.

حتى ثبات الزمن في مسرح شكسبير، وأحادية الدولة الإليزابيثية نستبدلها ببساطة بشرط أمريكي محض.

ونجد أن الكثير من دول العالم أصبحت تشبه البهاليل أو شخصيات أخرى في مسرحياته أقرب إلى البهاليل في ذلك التذلل  والخوف من بهلول نفسه.

راحت كلمات شكسبير تفتح على أبعاد أخرى وقراءات أخرى.

 

هل نستطيع أن نقراً في انتظار إعلان تتويج أمريكا امبراطورة على العالم شبهاً بما حدث مع يوليوس قيصر؟ فعلى الرغم من أنه يعلم أنه في اللحظة التي يريد فيها أن يعلن نفسه قيصراً ليلغي الجمهورية، لن يقف في وجهه أحد؟