الترويكا في مشروعها الجديد
بُعد عن قراءة واضحة لروح قص زكريا تامر
في بداية مشروعهم المسرحي بدا أن كلاً من جلال شموط ـ سيف سبيعي ـ نضال السيجري قد امتلكوا أدواتهم جيداً، وكان الواضح أن خطواتهم أخذت منحى العارف ماذا سيفعل سواءً من ناحية التشكيل البصري المقدم أو من ناحية المضمون، أو من خلال المواءمة بين الشكل والمضمون.
وبدأ الشباب الذين ينتمون إلى ما يسمى بالنبض الجديد في المسرح السوري، يشكلون لوحاتهم بعناية فائقة ودراية. إلا أن عرضهم الذي توسمنا فيه الخير في شريط «أخبار شارع الثقافة»، والذي قدم على خشبة معرض دمشق الدولي، لم يرقَ إلى المستوى المطلوب، وهذه هي الكلمة التي أحب أن استخدمها على الرغم من شيوعها وتداولها بشكل كبير. بعيداً عن النقد الذي يقدمه بعض (الصحفيين) سأحاول أن أقترب بعض الشيء من الأسباب التي أدت إلى ما حصل في هذا العرض.
«شو هلحكي» يا شباب
في الوقت الذي كانت تجربة (شموط ـ سبيعي ـ سيجري) الأولى تهدف للابتعاد عن أشكال العرض القديمة، والمواضيع التي تحملها، عن طريق ابتكار أو إعداد نصوصهم الخاصة، نجدهم هنا يتابعون ضمن هذا الخط، وهو توليف نصوصهم الخاصة، لكنهم هنا عادوا إلى مواضيع لا يستطيع شكل المسرح الذي يقدمونه احتمالها، وقد جاء ذلك في اختيارهم لقص زكريا تامر بالدرجة الأولى، والذي يحمل الكثير من الرموز، وشرطاً يصعب تحويله إلى مسرح، فزكريا تامر يلامس في قصه الكثير من الممنوعات بطريقة ذكية ستكشف على المسرح، محطماً الكثير من التابوهات المرتبطة بالجنس، والسياسة، بشكل أساسي.
هذا الاختيار لم يكونوا موفقين فيه قط، يأتي إما عن عدم فهم عميق لنصوص تامر أو عن استعجال في اختيار اسم كبير دون قراءته بتمعن، على طريقة (ما رأيكم يا شباب بأن نشتغل لزكريا تامر) ... يهز الشباب رؤوسهم بإعجاب.. يتحمس الشباب.. ولا يعرفون في ما بعد إلى أين هم متجهون!!! وهنا تكمن المشكلة. فعندما لا يقف المرء على أرضية صلبة هي النص، فسوف تنتج لديه العديد من الفجوات والتي حاولوا أن يغطوها بالعديد من الأشكال التي زادت من ارتباك الشكل الموحد للعرض.
ضياع الخط
في محاولة من القيمين على العرض للربط بين عناصر السرد المقدم على الخشبة، اختاروا طريقة الراوي في البداية، الممثل رفيق سبيعي الذي خرج في أول العرض بقصة ليرويها، ثم يدمج العنصر التمثيلي مع المادة التي كانت تسرد، وهي قصة البحار الذي جاء إلى دمشق، وفي اللوحتين، اللتين تلتا اللوحة الأولى، يتابع رفيق سبيعي ما بدأه رابطاً بين لوحات العرض، لكنه في اللوحات الباقية يختفي تاركاً الأمور تسير وحدها دون أي رابط منطقي، وتخرج اللوحات واحدة تلو الأخرى دون ما يجمعها كل واحدة منها مستقلة بحد ذاتها، استقلالها عن العنوان المرتجل الذي وضع للعرض، على عكس عرض (شوية حكي) الذي قدمته المجموعة نفسها على خشبة مسرح القباني والذي تعاملت فيه الفرقة مع مفهوم الزمن وكان هو الرابط بين عناصر العرض وعنوانها.
كما جاءت بنية بعض اللوحات، إذا أخرجناها من السياق مفككة، وغير متناسقة. فالمونولوجات في بعض اللوحات المقدمة جاءت طويلة ومفاجئة ولا تنتمي إلى ما كان يقدم، وكأنها تأتي من شخصية أخرى غير التي كانت تتحدث قبل قليل، مبتورة بتراً، هذا عدا ابتعادها عن رابط منطقي كما أسلفت مع بقية العرض.
ارتجال على المسرح
نتيجة الفراغات التي ذكرت، فقد عمد مخرجو العرض على ملئها بعناصر خارجة عن العرض، كالحديث عن انفجارات نيويورك وواشنطن، أو العراضات الشامية التي ظهرت في اللوحات الأولى، ودمج الواقع بالمسرح في بعض اللوحات، وحتى في المبالغات التي كان يقوم بها نضال السيجري، والتي تميز نوع أدائه بشكل عام، إلا أنها لم تكن موظفة في هذا العمل بشكل صحيح وما إلى ذلك من مقاربات لواقعنا، مما أدى إلى تراجع المستوى، وأدى إلى ظهور العمل في بعض مفاصله وكأنه قريب لمسرح الشوك مع الذي قدم في مرحلة زمنية معينة.
الهاجس أو المشروع
ربما كان ما يقدم هو محاولة للتوجه إلى شريحة أحرى من المتفرجين ضمن رؤيتهم لطبيعة جمهور مسرح دمشق الدولي، مما زاد الأمر تعقيداً فالمحاولات المبذولة للخروج بمسرح شعبي مع مقولات كبيرة لم تؤد إلى النتيجة المطلوبة، وزاد من تشتت العرض بين غاياته.
إن اختيار نصوص زكريا تامر للعمل عليها مسرحياً بنفس القدر الذي يحمل تسرعاً في الاختيار إلا أنه يعتبر دلالة على ارتباط الشباب بمشروع وهاجس مسرحي يحاولون العمل عليه، وبقاؤهم معاً في تجربتهم الثانية يحمل الدلالات ذاتها، إلا أن المسألة بحاجة إلى المزيد من التأني، في اختيار النص، والمرور بمراحل إعداده، وصولاً إلى عرضه على الخشبة، وقد أصبحت العملية المسرحية عملية يتساوى فيها الجانب العلمي النظري مع الجانب الإبداعي، ولا ضير من وجود درامتورج إلى جانب العمل يربط بين عناصره، ويساعد في بناء النص بشكل أفضل، خاصة مع وجود صحفيين، يتصيدون العروض السيئة والجيدة ليقضوا عليها قضاءً مبرماً. والنقاد في بيوتهم منقطعون.