ماذا تقول يا صاحبي "  البشر.. و الوحوش  "

• لعلك توافقني إن قلت لك: إن الذاكرة ما زالت تختزن صفحات وصفحات من عالم الطفولة ومقاعد الدراسة على الرغم من مرور زهاء ستين عاما على ذلك، أيام كنا تلاميذ في المدرسة الابتدائية، ففي مثل هذا الفصل، أعني فصل الربيع، يمتلئ قسم "الإنشاء" أي التعبير في دفتر الواجبات المنزلية بموضوعات عن أجمل الفصول يكلفنا بها المعلمون، ويدور حولها التنافس الجاد ولا يستبعد أن يستعان بالأصدقاء والأهل للمشاركة في صياغتها شريطة أن تبقى في حدود "مقدرة" من هم في مثل أعمارنا وصفوفنا، وأهم عناصرها وصف جمال الربيع وأجوائه الخلابة الساحرة.

* طبعا كتبتم و لا شك  عن  النزهات إلى الغوطة !!

• نعم عن النزهات التي تقوم بها الأسرة و الأهل إلى بساتين المزة والربوة ودمر والهامة وعين الخضراء وعين الفيجة وحتى التكية ونبع بردى والزبداني وبلودان، وكذلك إلى بساتين برزة والقابون وجوبر وزملكا وعربين  وحرستا ودوما، وما زالت حتى الآن فقرات كاملة مما كان يكتب في هذا المجال عالقة في الذهن، نابضة في ثنايا الذاكرة، لقد كانت أشبه بقطع من المحفوظات، نرددها عن ظهر قلب، ومنها على سبيل المثال الجمل التالية: مع إطلالة الربيع تأتلق في وجوه الناس وفي أحداقهم معالم الانشراح وأسارير البهجة وهم يتجولون في أحضان الطبيعة، تلك الأم الحنون التي تفيض بالعطاء حيث تبعث الدفء والحياة مجددا بعد سبات الشتاء الطويل، فتغمر نفوسهم بمشاعر الفرح والسرور، فأمام عيونهم تتفتح براعم الأزهار والورود على أغصانها متراقصة مع النسائم العليلة التي تنشر أريج النباتات الوليدة و عطر الأرض الطيبة، وهي تمد الوجود بدفقات الحياة المتجددة دائما وأبدا!!.

* جميل هذا الكلام، يبعث في النفس أحاسيس الحبور والعاطفة الإنسانية النبيلة العذبة، وهذا ما يدفعني إلى أن أطلقها جياشة، و لن أدعها طي الحنايا، وسأغتنم هذه المناسبة السعيدة لأتوجه إلى قرائنا الأعزاء بأصدق التحية و التهنئة الحارة بفصل الخير والجمال والصفاء وأقول:كل عام و أنتم والوطن وأهله بألف خير وكرامة، وأخص الأم الغالية - وعيدها على الأبواب - بأخلص وأعطر مشاعر الحب والاحترام متمنيا لجميع الأمهات موفور الصحة والعافية، ولتكن أيامهن حافلة بالهناء والأمان والسعادة، كذلك أزجي التهاني والتقدير - وإن جاءت متأخرة قليلا - لكل النساء بعيد المرأة العالمي، فهن وبجدارة عنوان الوجود الدافق بالعمل و العطاء، ولا أنسى وآذار يفسح المدى على رحبه لنيروز الوافد رمزا للتضحية والحرية والحياة التي تأبى القهر والهوان، و أقول للأخوة الأكراد في أرجاء الوطن الغالي: وتبقى لنا بسمة رغم أنف الشقاء، راجيا لهم  السعادة والعيش الحر الكريم.

• ما تقوله يا صاحبي.. يفصح بوضوح وجلاء عن حقيقة المشاعر التي في النفوس،  كأنك تقرأ في كتاب مفتوح أمام عينيك، وهذا الأمر ليس بغريب أبدا، لأن أهم ما يتميز به الإنسان بوصفه كائنا حيا، هو ذلك الشعور والإحساس الذي لولاه، لكان مجرد كائن يعيش في الفيافي أو الأدغال حياة الوحوش التي تدب على الأرض واعذرني إن قلت إنه سيكون حينها أسوأ  وأشرس منها، فهي قد تنفع و يستفاد منها، بينما هو يضر، لأن من افتقد الأحاسيس والمشاعر صار أخطر من وحش، يجب أن يتقى شره! 

* أعتقد أن أدق وأوضح مثال لهؤلاء المتوحشين، هم أعداء الداخل و الخارج الذين تجردوا من كل ضمير و إحساس، وانقضوا بأبشع صور الهمجية والطغيان  مستبيحين دماء البشر وثروات الأرض  في كل مكان تصل إليه أيديهم المجرمة!!.

• أجل، وبحسبنا أن ننهي حديثنا عن واقعنا الداخلي الراهن بطرح التساؤلات التي لا شك ستحفز القراء الأعزاء على المشاركة في تقديم الإجابات  الشافية، وهي : من بخدمة من :الشعب أم الحاكمون؟؟

المواطنون أم القانون ؟؟.. المنتجون الكادحون أم الطفيليون ؟؟! وباختصار:

من الحامل ومن المحمول؟ ومن المخلص ومن الخؤون؟ ومن الوطني وكيف يكون ؟؟!

فماذا تقول يا صاحبي؟!                   

 

■ محمد علي طه