الإعلام المأجور ولعبة التزييف والاستهلاك
يعيش الإعلام العربي أكثر أيامه سوداوية نتيجة ما وصل إليه من التردي على كافة المستويات.
فبعد أن أصبح هذا الإعلام ونتيجة التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال أحد العوامل الرئيسية في إيصال المعلومة والبيانات، سواء أكانت أكاذيب أو حقائق، بات من الأهمية السيطرة عليه وتدجينه.
إن المتتبع لما يجري في الساحة العربية يجد أن «إعلامنا» لم يعد إعلاماً مأجوراً فقط، بل أمسى مساره واتجاهه ورؤياه، متحولاً ومتلوناً بحسب رغبة وأهداف جهات خفية تخطط بشكل مسبق ومحكم، وتتبع في الغالب للدوائر الإعلامية الغربية الساعية إلى السيطرة على جميع الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وتوجيهها حسب مصالحها ومخططاتها في المنطقة ككل. ولعل أهم نقطتين يجري التركيز عليهما من هذه الحيتان الإعلامية:
أولاً: إنها كانت وماتزال تعمد إلى التزييف المركّز «بناء على تعليمات رسمية دقيقة ومحددة وعلى عدد من الفضائيات» والمثال على ذلك الانتخابات العراقية، حيث جرى التركيز قبيل وأثناء الانتخابات على«مناطق الانتخابات ـ صناديق الاقتراع – الإقبال الجماهيري» وكأن المشهد العراقي لم يكن يعيش سوى عرس الانتخابات والديمقراطية المنشودة في بلد الوضع فيه بألف ألف خير، لاتحدث فيه، بشكل يومي عشرات الانفجارات في مناطق متعددة، وليس فيه قصف أمريكي متواصل، ولا يسقط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين يومياً. الصورة المزيفة تحتل مكان الصورة الحقيقية عن قصد لتحقق للأمريكان وللغرب المتصهين أهدافه ومآربه في تكريس تلك الصور في ذاكرة الجميع. وهذه ليست المرة الأولى فقد سبق لتلك الدوائر أن سيطرت على أهم إذاعتين موجهتين إلى المنطقة العربية وباللغة العربية، وأكثر إذاعتين مسموعتين لبثهما كماً هائلاً من المعلومات المتدفقة لحظة بلحظة. الأمر الذي أدى بهما للعب دور بارز في تغيير اتجاهات وعقول الكثير من الناس العاديين والإعلاميين والمفكرين، لا بل نقلت العشرات منهم نتيجة تلك التأثيرات من جبهة إلى أخرى.
ثانياً: إشاعة الاستهلاك وتكريس الشعور بالنقص عند الآخر: فاللوحة الإعلامية الآن ومن خلال زيادة عدد الإذاعات والفضائيات العربية التي تطبل وتزمر بالخفاء والعلن لأمريكا وديمقراطيتها وثقافتها، تصر على إظهار النواقص الكثيرة في المجتمع العربي وفي الشخصية العربية، وتقدم للمشاهد بالمقابل وجبات مليئة بالسموم، وتعمل على إثارة الغرائز والشهوات المريضة، ومن هذه المنابر إذاعة «سوا» وفضائية «الحرة» التي أضحى لها كثير من التأثير بالمشاهد العربي حيث تقوم بغسيل العقول بكل منهجية وتركيز.
فياحبذا لو أدرك «المثقفون» العرب أن هذه المحطات لاوزن لها في الخارج بل بالكاد تُسمع، وهي، وكما يعلم الجميع يمولها «الكونغرس» وإن كان معظم معدي برامجها من اللبنانيين والعراقيين «المتأمركين». ولمن لم يعرف الحرة حتى الآن فهي ليست بحاجة إلى الكثير من العناء لشرحها فقد بدت مقاصدها ومراميها واضحة وضوح الشمس بصهيل خيولها، وإن أدركنا من هم خيولها لنسفناها، لأن الشارة الرئيسية هي تشبيه بما تقوم بها أمريكا من ترويض لهؤلاء المطبلين والمزمرين لها في العالم.
وللأمانة وللحفاظ على ماء الوجه حبذا لو راجع الذين يعتلون منبرها أنفسهم فحلوا ضيوفاً عليها لقاء مبالغ كبيرة، بأن يعتذروا من مشاهديهم، إذ كان الأولى بهم أن يحسبوا ألف حساب قبل الظهور على هذه الفضائية المعادية، خاصة وهي التي تقبض على الضيف وتقصيه تحت حجة الديمقراطية، هذه الديمقراطية التي جاءت إلى هذه المحطات مع دخول المحتل الأمريكي إلى المنطقة تحت مسميات عدة وثقافات عديدة، ثقافة المشمشة والتفاحة والإجاصة .........
تلكم ثقافتكم وهذه ثقافتنا أيها الغرباء، وسيبقى اعتزازنا بالمثقفين الوطنيين الذين رفضوا الظهور على تلك الشاشات وتحت أية مغريات كانت .
■ علي نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.