جندي أمريكي في العراق... من الأدب الروسي الساخر!

لا أدري كيف هي الحال في بلدان أوروبا الأخرى، لكن فن " المونولوج " الذي عرفته مصر منذ العشرينات، خرج في روسيا من عباءة اللحن والموسيقى ليصبح قطعة أدبية ساخرة يكتبها كبار الأدباء هناك، ثم يتركون إلقاءها على منصة المسرح لفنان محترف، أو يقومون هم بأنفسهم بإلقائها إذا توفرت لديهم موهبة الأداء والحضور المسرحي أمام الجمهور. 

وعادة فإن أولئك الكتاب يقومون فيما بعد بجمع تلك اللوحات الأدبية الساخرة في كتب تمتع القراء بنوع خاص من الأدب الساخر، ليس قصة، ولا مسرحية، لكنه مونولوج، أي كلام مرسل من طرف واحد، يسخر فيه مؤلفه من ظاهرة اجتماعية، أو سلوك إنساني، أو يوجه من خلاله سهام النقد إلي النظام السياسي. ويعتبر " ميخائيل زادورنوف " أحد أشهر الكتاب الروس الذين يتولون إلقاء تلك المونولوجات في أشهر المسارح بالعاصمة الروسية. ويتمتع " زادورنوف " بشعبية وحب كبيرين. وقد أصدر ذلك الكاتب الممثل الساخر مؤخرا كتابا بعنوان " عالم مجنون مجنون " ضمنه قطعة بعنوان " رسائل جندي أمريكي في العراق "، كتبها في شكل رسائل يبعث بها جندي أمريكي إلي زوجته. وسيجد القارئ – جنبا إلي جنب مع متعة الأدب الساخر – أن ذلك المونولوج يبين موقف الشعب الروسي من الغزو الأمريكي للعراق. وقد اقتصر دوري هنا على ترجمة تلك القطعة الأدبية من الكتاب الصادر في موسكو هذا العام عن دار نشر " ترانزيت كنيجا ".

■ أحمد الخميسي

رسائل جندي أمريكي في العراق

(1)

تحياتي أيتها العزيزة. اليوم عندنا في القاعدة العسكرية عيد. سنطير إلي العراق عما قريب. هذه بلد بعيدة جدا. الزملاء يقولون إنها أبعد من المكسيك. وقد نبهتنا القيادة إلي أن الحرب ستكون صعبة جدا لأن الحرارة هناك كما يقولون مرتفعة للغاية. وقد أكد لنا «السرجانت» أن العراق توجد في جنوب أفريقيا، بينما يجزم العقيد الذي كان مدرسا للجغرافيا فيما سبق أن كلام السرجانت غير صحيح، وأن العراق يوجد ليس في جنوب أفريقيا لكن في شمال الهند. وقد خاطبنا صباح اليوم الرئيس الأمريكي، وأوضح لنا أن القائد العراقي صدام حسين لا يريد أن يتقاسم معنا نفط بلاده، وأن معنى ذلك أن الرئيس العراقي ضد الديمقراطية. والآن فإن واجب أمريكا الأساسي إدخال الديمقراطية إلي العراق، بما أننا – نحن الشعب الأمريكي – الموزع المعتمد للديمقراطية في العالم. وقد أشار العقيد إلى أن رئيسنا الأمريكي زعيم جريء حقا، لأنه استجمع شجاعته وقرر إعلان الحرب على بلد أصغر من بلده بعشرين مرة. أيتها العزيزة. . نحن جميعا واثقون من النصر السريع، لأن لدينا رئيسا مباركا، وأحدث الأسلحة بما في ذلك "البامبرز" المضادة للمشاة، وألغام بطعم تفاح الغابات. لكن هناك شيئا لا نستطيع فهمه : كيف يمكن أن ننطق الاسم صحيحا : عراق، أم عيران؟

هناك خبر آخر جميل لك. بدءا من الآن سيكون في وسعك مشاهدتي في أوقات كثيرة على شاشة التلفزيون الذي سينقل المعركة على الهواء مباشرة فترات الاستراحة ما بين عرض مسلسل"الموت بفرشاة الأسنان" والبرنامج الاستعراضي «تأثير العواصف الشمسية على غشاء الذكورة لدي ضفادع كاليفورنيا» .

أيتها العزيزة. . لا تقلقي علي، فقد أخذت معي كريم لحماية بشرتي من الشمس.

(2)

تحياتي أيتها العزيزة. لقد وصلنا إلي العراق. بالفعل الجو حار جدا هنا. وحكما بما نراه من حولنا، فإن هذه البلد ليست الهند، لأن السكان هنا لا يشبهون الهنود على الإطلاق. المهم أن العقيد أكد لنا أن النطق الصحيح لاسم هذا البلد هو "عراق"، أما "إيران" فقد اتضح أنه اسم مواد مشعة "إيران – 238". أما السرجانت فأعلن لنا أن المعارك الحربية ستبدأ غدا حسب ما تناهي لسمعه من الراديو والإذاعة. وقال أيضا إن الإنجليز والبولنديين والإسبان سيحاربون هم أيضا، لكنه لم يوضح مع من سيحاربون، ولكن القيادة أفزعتنا حين أخبرتنا أن ثمن الحرب سيكون كبيرا، ومن ذلك أن الخنادق خالية من أجهزة التكييف والحمامات، لكننا نحن الأمريكيين أبطال، وسنتحمل كل شيء، حتى لو لم يوزعوا علينا الكوكاكولا المثلجة أثناء المعارك.

(3)

اليوم قمنا – لأول مرة – بشغل مواقعنا. وتبين لنا أن أولئك العراقيين متوحشون فعلا، فقد أطلقوا أول أمس نيرانهم على طائرة مسالمة تابعة لنا كانت تقصف مدنهم. وقد أنذرتنا القيادة ألا يقع أحد منا في الأسر، لأن العراقيين يعذبون العسكريين الأمريكيين، ويحرمونهم من "الفشار" ولا يسمحون لهم بوضع ساق على ساق على الموائد. إلا أن الأمر المرعب حقا هو تلك الأقنعة الواقية من الغازات السامة التي تم توزيعها علينا. فقد صنعت في أوكرانيا، وتنبعث منها طيلة الوقت رائحة ثوم وشحم خنازير حتى أننا قررنا أنه من الأفضل لنا أن نستنشق الغازات السامة عن وضع تلك الأقنعة. ولكننا على أية حال نشعر بأنفسنا أبطالا. بلغي ابني أن " بابا " حتما سيعود إليه حيا إذا لم يرغموني على وضع ذلك القناع على وجهي.

(4)

أيتها العزيزة. . مع كل يوم يمر يصبح الوضع أصعب فأصعب، وقد مر علينا الآن شهر بكامله ونحن نستنشق رائحة الثوم، ونشعر أن ثمة فيلقا أوكرانيا بجوارنا في مكان ما. وإذا لم تبدل الرياح وجهتها في الأيام القادمة فإن نهايتنا ستكون سريعة! أما العراقيون فقد تبين لنا أنهم برابرة بكل معنى الكلمة. إنهم لا يعرفون أننا الأقوى في العالم، ومن ثم يواصلون هجماتهم علينا دون توقف! أما أجهزة الليزر التي نصوب بها على الأهداف فإنها لا تعمل، فقد اتضح أن أولئك المتوحشين ليس عندهم حتى تلسكوب لنتعقبه بالليزر! الأسبوع الماضي جاءتنا طائرات مروحية حديثة، تحلق على مستوى منخفض بحيث لا يستطيع أحد رصدها، لكن فلاحا عراقيا عطلته إحدى الطائرات عن زرع حقله أسقط الطائرة بفأس قديمة. وقد رفع البنتاجون ضده قضية لاستخدامه سلاحا لم تقره الأمم المتحدة.

(5)

عزيزتي. . اليوم هو أصعب الأيام التي مرت بنا. فقد ضلت طريقها في مكان ما مكنة الفشار المتنقلة، وكذلك مطبخ "ماكدونالد" الذي يرافق جنودنا. أيضا فقد توقفت دباباتنا عن التقدم لأن إشارة المرور عند حدود بغداد كانت حمراء. فيما بعد تبين لنا أن إشارات المرور عند أولئك العراقيين المتوحشين كلها تالفة، بينما ظللنا نحن واقفين بدباباتنا أمام الإشارة حتى دخل الليل علينا. وأكد لنا السرجانت أنه لو لم يكن هناك عراقيون لانتصرنا عليهم من زمن بعيد.

وقد طلب الصحفيون منا عند دخولنا بغداد أن نغرقها في النابالم لكي يتوفر لهم الضوء الكافي لالتقاط الصور. وقد نبهت القيادة علينا بعدم قصف شمال بغداد بالقنابل، لأن مجموعة من هوليود تصور هناك فيلما جنسيا عن اعتقال صدام حسين بعنوان "غرام مع صدام في مدينة الأحلام". في البداية كان المرشح للقيام بدور صدام النجم اللامع أرنولد شفيزنيجر، أو توم كروز، أو جوليا روبرتس، لكن لأن الأجر عن التمثيل كان كبيرا جدا فقد وافق صدام حسين ذاته على القيام بالدور!

أحسست بالقنوط لأن الحرب أوشكت على الانتهاء، بينما لم أظهر ولا مرة على شاشة التلفزيون، ولذلك أخذت أرفع ذراعيّ الاثنتين عاليا، وألوح بهما أمام الكاميرات لعل وعسى. وفي نهاية المطاف لاحظ الصحفيون وجودي، وظهرت صورتي على الشاشة مصحوبة بتعليق يقول : "الجنود الأمريكيون يستسلمون ببطولة عند مشارف بغداد". يا إلهي، لك الحمد، فقد أصبحت نجما تلفزيونيا أخيرا.

(6)

حبيبتي. . اقتربنا من مشارف بغداد. وصادفنا في الطريق أشجارا كثيرة جرداء، التوت فروعها وجفت أوراقها، وشاهدنا طيورا كثيرة، وحشرات، وثعابين ميتة. إذن فقد مرت الفرقة العسكرية الأوكرانية من هنا! وأنقذتنا بمرورها، لأن القوات العراقية لم تتحمل رائحة البصل وهربت كلها تاركة المدينة خلفها. وبعد ذلك دخلت قواتنا الأمريكية البطلة إلي المدينة.

 

■ ميخائيل زادورنوف