هكذا (يحارب!) الفساد في وزارة الثقافة

لن نتطرق في مقالنا هذا إلى أوضاع كافة المؤسسات الثقافية في سورية، فهذه المهمة نتركها لبحثٍ موسع آخر.  بل سنكتفي هنا بالإشارة إلى واقع المسرح القومي باللاذقية وما حدث ويحدث فيه من وقائع  تثير الغرابة والدهشة، وتدفع من يحب المسرح لأن يتقدم بخالص الشكر لوزارة الثقافة على (مبادراتها الخلاقة!) في مكافحة الفساد والمفسدين، والمتمثلة إحداها بقيامها مؤخراً بتكليف السيد المخرج المسرحي المبدع! (س) مديراً للمسرح القومي في اللاذقية. وذلك بناءً على (مقتضيات المصلحة العامة) كما جاء في حيثيات القرار! لاسيما وأن المخرج المذكور كان قد أُقيل من منصبه منذ عدة أشهر فقط، وأيضاً بناءً على مقتضيات المصلحة العامة!!

وهنا يحضرنا سؤال للقيمين على الوزارة، حبذا لو يشرحون لنا ما هي مقتضيات المصلحة العامة في نظرهم؟

  هل المصلحة العامة تقتضي إعادة تكليف شخص قُدّمت بحقه مجموعة كبيرة من الشكاوى مدعومة بالأدلة والقرائن والشهود، والتي تؤكد جميعها بأنه وخلال فترة إدارته للمسرح القومي باللاذقية كان (بارعاً ومبدعاً بجدارة) في شفطه للمال العام، من خلال محاصصته للعديد ممن اشتغلوا معه في المسرح القومي باللاذقية؛ حيث كان يقبض باسمه الشخصي أجور العشرات من الأسماء الوهمية؟

  هل المصلحة العامة تمنع السادة المسؤولين من التحقيق في شكوى وُضِعت على مكاتبهم  وتحمل تواقيع سبعة من العاملين الأساسيين في المسرح القومي آنذاك وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية؟

  هل المصلحة العامة تمنعهم من التحقيق في شكوى مكتوبة وبخط اليد من مجموعة كبيرة من الممثلين في المسرح القومي باللاذقية منهم: هاشم غزال – حسام قعقاع – مجد أحمد – مصطفى جانودي – هاني محمد – أحمد قشقارة – عماد خدام وآخرين...؟

  هل المصلحة العامة تعني إرسال مدير الرقابة الداخلية في الوزارة إلى اللاذقية للتحقيق، وذلك بعد أكثر من سنة على تقديم الشكوى، فيقوم الرقيب هذا بعد تناوله لعدة وجبات فاخرة كما تقتضي أصول الضيافة والرقابة والتفتيش.. بالاستيضاح فقط من المضيف (السيد س) حول ما ورد في الشكوى، ويتم تجاهل وإهمال أصحاب الشكوى الذين في حوزتهم كل ما يدين الشخص المذكور؟!!

  ونسأل مجدداً:

  ما الحكمة من إعادة تعيين مدير كانت قد تمت إقالته من منصبه، والذي بحقه ملف شكاوى ما زال قابعاً في أدراج فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش باللاذقية حتى تاريخه؟ هل هذا الإجراء يصبّ في مجرى تكريس مقولة (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، وشنّ الحرب الضروس على الفساد ورموزه، كما نصت عليه توصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث؟ 

  وأخيراً نسأل المسؤولين في وزارة الثقافة عن سرّ استخفافهم بنا وبشكوانا؟ وعن سرّ احتضانهم لشخص كان من المفترض أن يكون وراء القضبان في بيت خالته منذ سنوات؟  وهنا نستعرض بعض هذه الشكاوى التي حوّلتنا إلى (عرضحالجية) في وزارة الثقافة:

  1 – الشكوى الأولى إلى مديرية المسارح والموسيقى بتاريخ  5/11/2003

  2 – الشكوى الثانية إلى وزارة الثقافة بتاريخ  2/5/2003

  3 – الشكوى الثالثة إلى وزارة الثقافة بتاريخ  1/9/2003

  4 – الشكوى الرابعة إلى وزارة الثقافة بتاريخ  8/2/2004

  5 – الشكوى الخامسة إلى وزارة الثقافة بتاريخ ـا 9/3/2004

  6 – الشكوى السادسة والسابعة... إلخ.

  طبعاً لم يستخف السيد المدير بهذه الشكاوى كما فعل مسؤولو وزارة الثقافة، ولم يقف مكتوف اليدين؛ بل شمّر عن ساعديه وأطلق العنان لصلاحياته، ومنذ الشكوى الأولى التي سوّلت لي نفسي برفعها مع سبعة من زملائي، حيث افتعل مشاجرة معي – وهو المدير – خسرتُ على إثرها عملي في المسرح القومي. وقام بمنع الآخرين - الذين أبوا إلا أن يكونوا له في المرصاد - من العمل طيلة سنوات إدارته. وجاء منعه (قانونياً!) وضمن مقتضيات (المصلحة العامة!) واستناداً لصلاحياته المتعسّفة تلك.

  بعد كل هذا نسأل:

  ماذا يريد المسؤولون في وزارة الثقافة من المسرحيين في اللاذقية؟

  هل يريدون منا إعلان الطاعة والولاء للمدير (السابق والحالي) وتقديم الاعتذار له عن تجاوزاته المالية والإدارية، وتحويله المسرح القومي في اللاذقية إلى دكان يُباع فيه المسرح ويُشرى كما تباع الخضروات الفاسدة؟

  هل يريدون أن ننسى أننا مسرحيون ونكفّ عن (المشاغبة) ونلتفت لأكل عيشنا والحصول على حصتنا من كعكة المسرح القومي؟

  هل يريدون أن نقبع في بيوتنا وننتظر غفران مديرهم المدلل العائد إلى موقعه بغضب وقوة و(شطارة!)؟

  أخيراً نقول: إن المسرح في اللاذقية جزء من خارطة المسرح السوري، إلا أنه باعتقادنا الأسوأ على الإطلاق. فعبر امتطاء المدير القديم - الجديد صهوة مديرية المسرح القومي باللاذقية، حيث لا موهبة ولا كفاءة.. وإنما مجرد لهاث للارتزاق والجور على زملائه وابتزازهم.

  كان معرقلاً بامتياز للحركة المسرحية التي سبق وأسسها مجموعة من الهواة المحبين للمسرح. وذلك عبر تحويله هذه المؤسسة إلى بؤرة مستباحة تفوح منها روائح الفساد والإفساد.

  هذا الواقع المسرحي المتردّي يقتضي من وزارة الثقافة ومن كل مثقفٍ شريفٍ في هذا الوطن، تأمّل هذه التجربة والبحث في أسباب عقمها وقصورها الفكري والفني. وكشف الآلية التي تمرر بواسطتها عروض مسرحية مبتذلة في غالبيتها. ورصد المساعي المحمومة والخبيثة الهادفة لمحاربة التجارب الراقية والأصيلة. كما يقتضي الأمر البحث الجاد والمسؤول عن الحلول لهذه الأزمة. والوقوف بدقة على الكشوفات المالية والتي تفضح بسهولة التلاعب المالي الذي لم يجرؤ أحدٌ حتى الآن على كشفه؟

  المسرح القومي في اللاذقية أمانة في أعناق كل من تعزّ عليه مصلحة البلد. فهل من مجيب؟

 

  ■ ياسر دريباتي - اللاذقية