سعدي يوسف في المغرب «تركت العراق احتجاجاً على الاضطهاد ولن أعود إليه لأجده محتلاً»
نظم فرع اتحاد كتاب المغرب بمدينة مكناس لقاء مفتوحا مع الشاعر العراقي سعدي يوسف، وقد فتح هذا اللقاء باب الحوار مع الشاعر وهو ما كان بمثابة مساءلة لتجربته الشعرية والتعرف على بواعثها ومكوناتها وعلاماتها، حيث طرحت أسئلة تهم الوضع الراهن للقصيدة العربية وأثر المنفى في التجربة والانعكاسات المحتملة لاحتلال العراق على القصيدة والأدب برمته والموقف من الكتابة الشعرية لأدباء ينتمون لنفس الجيل وتقييم التجربة الشعرية في المغرب والعراق والعالم العربي.
وكان الشاعر سعدي يوسف قد قرأ قصائد منتقاة من تجربته الممتدة على أكثر من نصف قرن ، و خص الجمهور بقصيدة «صلاة الوثني» من ديوانه الجديد الذي يحمل نفس الاسم والتي أهداها لعبد الرحمن منيف ومنها :
يا رب النهر، لك الحمد:
امنحني نعمةَ أن أدخل في الماءِ...
لقد جف دمي
ونشفت؛ قميصي رمل، وشفاهي خشب
حتى حلمي صار طوافا في مذأبة صفراء...
امنحني، يا رب النهر.
كساء النهر،
لك الشكر
لك الحمد
فمن لي غيرك، يا عارف سر الماء؟
وفي تصريحات للصحافة ذكر سعدي يوسف أنه وبعد نصف قرن من الكتابة والتجريب:
«أجدني لا أزال في اللحظة الحرجة، وربما هذا الإحساس المستمر باللحظة الحرجة هو الذي منحني قدرة على الاستمرار في الكتابة، ولربما في محاولة تجديد النص الذي أكتبه.»
معتبرا أن عملية النص الذي يكتبه تتخذ طابع مراجعة شاملة وقد تستغرق الانتقالة الجديدة عقدا من السنوات أو أكثر أحيانا.
وحول المسافة بين السياسة والشعر لدى الشاعر، اعتبر سعدي يوسف أن :
«السياسة هي نشاط بشري مستقل بذاته، والشعر نشاط بشري آخر مستقل بذاته أيضاً هذه مسألة أولية، فالأدوات مختلفة والنظرة إلى العالم مختلفة و النظرة إلى العالم مختلفة بمعنى أن الفن أكثر استراتيجية.»
وعن حضور الأيديولوجية في قصائده قال :
«أعتقد أنني استلهم الماركسية كثيرا في شعري وفي ما يخص هذه النقطة بالذات، مسألة معالجة الحدث السياسي بطريقة فنية، فإني استفيد من الماركسية ومن اجتهاداتها في علم الجمال و استخدم – كأداة - المتناقض الماركسي في اللغة ، ويتمثل ذلك في هذه اللغة التي تسمي اللغة المادية، تلك هي أداتي ولو أردت أن أوضح الأمر قليلا حسب المصطلح العربي، فإني أقول بأني استخدم الاسم الجامد أكثر من المشتق و لا استخدم المصدر إطلاقا...لأن المصدر مجرد من الزمان والمكان، فهو تجريد.
في الفن عموما نستخدم الملموس للوصول إلى مجرد ما، ولكن عندما تصبح الأداة هي المجرد تكون العملية الإبداعية خاطئة وعملية الكتابة ستكون خاطئة لأن الشاعر مثل النحات، فكما النحات في حاجة إلى مادة خام، الشاعر أيضا أداته هي المادة الخام، والمادة الخام هي الاسم الجامد، وهي الفعل .
المادية متحركة والاسم الجامد تسمية للمادة الخام. وهذا منطلق ماركسي أفادني كثيرا في كوني أستطيع أن أكتب عن كل شيء. وجنبني الرتابة وجعل عيني مفتوحتين دائما على كل شيء. كل شيء تستطيع أن تخضعه لعملية علاقات كي تنتج قصيدة».
وعن حضور المكان في قصائده، ذكر الشاعر العراقي :
«المكان موجود في الشعر العربي وقد تم الاهتمام به في العصر الجاهلي الذي أعتبره أهم شعر عربي حتى الآن ، القصيدة الجاهلية هي أفضل ما كتب العرب من شعر إذا نظرنا إلى الاحتكامات الفنية الأساسية، هي قصيدة وثيقة وموثقة والمكان فيها واضح بشكل عجيب ، ولذلك فإني لم آت بجديد في هذا، لكن ربما في وقتنا لضياع كثير من الأشياء اتخذ المكان شكلا مختلفا، وهذا هو الطريق الصعب، وقد تعلمته من امرىء القيس ولم آت به أنا.»
وعن الوضع الراهن في العراق – تحت الاحتلال - قال :
«عندما تم احتلال العراق كتبت مقالة تحمل عنوان مائة عام من الاستعمار، هذا ما أتوقعه قرن من الاستعمار، عندما دخلت بريطانيا العراق إبان الحرب العالمية الأولى لم تخرج إلا بعد نصف قرن، وما يحدث الآن شيء شبيه بذلك، وطيلة نصف قرن على الأقل سيعاني العراق وطأة الاحتلال والحماية والأشكال المختلفة من الحكومات العميلة وستبدأ من جديد التظاهرات في الشوارع والمطالبة بإغلاق القواعد الأجنبية...
عندما تركت العراق تركته احتجاجا على اضطهاد الناس. ولم أغادره لأعود إلى عراق يحتله الأمريكيون.. لن أعود، لن أعود لأنه أولا لم يتبق لي من الإقامة على الأرض إلا الشيء القليل، ولا أريد أن أسيء إلى موقفي والعراق مستعمر.»