كاسترو وشافيز ...وفلسطين

في أواسط عام 1978 شاهدت في بغداد صورة تذكارية للرئيس الكوبي فيديل كاسترو، قائد أول ثورة اشتراكية في النصف الغربي من العالم، وعلى عنقه وكتفيه تتدلى الكوفية الفلسطينية، وتحيط به مجموعة من أطفال ارض البرتقال. جميعهم يرفعون شارة النصر. تحت الصورة قرأت عبارة «كاسترو لأشبال فلسطين: ثورتكم مستمرة، قضيتكم منتصرة».

يوم الثامن من آب الجاري تم افتتاح مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي السادس عشر في كاراكاس عاصمة جمهورية فنزويلا البوليفرية. شاهدت حفل الافتتاح على الشاشة الصغيرة ورأيت بأم عيني مشهدا مؤثرا، أعادني عشرات السنين إلى الوراء، وذكرني بصورة كاسترو وأشبال فلسطين، فلسطين القضية وفلسطين الثورة وفلسطين الإنسان.

رئيس الجمهورية أوغو شافيز، قائد الثورة البوليفرية ذات الأبعاد الوطنية والقومية والأممية الإنسانية، المستندة قولاً وعملاً إلى الاشتراكية الحقيقية، ويسير على هدى سيمون بوليفر مؤاخيا لفيديل كاسترو وصديقا وشقيقا للثوريين في العالم، يصعد إلى الجناح المكشوف المخصص للوفود والشخصيات المدعوة للمهرجان، ترافقه نجلته وحفيده البالغ من العمر عامين فقط، يرتدي بنطالاً أسود وقميصاً أحمر لا غير، يمر على الحاضرين يصافحهم ويسلم عليهم فردا فردا، ثم يجلس في المكان المخصص له على كرسي لا يختلف في شيء عن بقية الكراسي (يا أصحاب الكراسي والعروش العاجية والأرائك الذهبية).

تتدلى من عنق الرئيس لفحة فلسطينية ينتهي كل طرف من طرفيها بعلم الألوان الأربعة، التي ترمز لشعب جذوره ضاربة في الأرض وقضيته تعانق السماء، أمانة معقودة على صدر شافيز، هذا الإنسان النبيل، القائد الأممي، المسيحي من أتباع عيسى بن مريم وليس من أتباع مسيح رأس المال الأمريكي على حد تعبيره؛ هذا المسيحي الذي هب علنا لتوبيخ الامبريالية وجلاديها على تدنيسهم للقرآن الكريم في أقبية التعذيب الروحي لأسرى قاعدة غوانتنمو، التي تحتلها أمريكا بشكل غير قانوني في الأراضي الكوبية منذ مائة عام ونيف، رغما عن إرادة شعبها وثورتها، هذا القائد الذي انتفض أمام كاميرات التلفزة العالمية مدافعا عن الإسلام والمسلمين؛ هذا هو الثوري الذي يتمنى (حسب ما نقل عنه) أن يكون أول رئيس أجنبي يعلم باستقلال فلسطين ليكون أول رئيس يزور القدس الشريف عاصمة الدولة المستقلة ذات السيادة والكرامة.

في يوم 14 آب وفي إطار نشاطات المهرجان، أقيمت محاكمة للامبريالية، وكان شافيز أيضا من ضمن الذين فضحوا كذب ونفاق الامبريالية الأمريكية في سلوكها الداخلي والخارجي. ومن جديد كان شافيز يرتدي الرمز الفلسطيني أثناء المداخلات والردود والإيضاحات لشؤون وشجون الثورة البوليفرية والثورة المضادة التي تديرها الإدارة الأمريكية من واشنطن. مرة أخرى تكون فلسطين شاهد إثبات على جرائم الامبريالية الأمريكية وربيبتها إسرائيل الصهيونية، وتكون فلسطين شقيقة للثورة والثوار في أي مكان.

فالمكان الطبيعي لفلسطين وشعبها وقضيتها يكون ويجب أن يكون بالضرورة في قلب صفوف الثورات والثوار، ولن ينجح أي مخطط ولا مؤامرة في تصفية القضية المقدسة للأرض المقدسة، مهما بلغت التضحيات وتعاقبت الأجيال. فلا خلاص ولا مستقبل إلا بالثورة الأصيلة المترابطة والمتضامنة مع ثورات الشعوب الأخرى...

إن وجود وصمود الثورة في كوبا، انتصار كبير، وتوطد الثورة البوليفرية في فنزويلا يشكل رافعة لا يستهان بها لتثوير القارة وربما العالم في وجه الاستبداد والطغيان الامبريالي.

إنها مؤشرات وبوادر وبراهين ساطعة على إمكانية إلحاق الهزيمة بالعدوان والظلم والاضطهاد الناجم عن الامبريالية والصهيونية، فأول الغيث قطرة ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

ليس عاراً أن تكون القضية الفلسطينية أمانة في عنق كاسترو وأمانة في عنق شافيز. بل العار على الذين تاجروا بها وطعنوها في ظهرها وباعوها في سوق النخاسة. في ظل العولمة الامبريالية للبؤس والفقر والموت. لا مفر من عولمة الثورة والتضامن الإنساني كطريق وحيد للحياة والأمل والكرامة.

■ هافانا ـ  كوبا ـ

 

المهندس نور الدين عواد