هنا.. هناك (عروس في الجليل) إلى أهالي ترشيحا في ذكرى سقوطها
من مكاني، في الشتات حيث تحاصرني عنكم حدود كل الدول والنكبات، أبحث بلهفة عما يُنشر منكم وعنكم على صفحات افتراضية من كلمات وصور أملأ بها ذاكرتي، علّني لا أكونُ غريباً عن الأبواب والحفلات فور عودتي. قرأت عن مهرجان ترشيحا وفيلم «عروس الجليل» لباسل طنوس. الفيلم الذي لم أشاهد، عرفت أنه يحكي قصة فاطمة الهواري التي لم أعرف والتي قُصف بيتها في نكبة الـ 48 في ترشيحا، بلدتي التي لم أسكن. برغم كل هذا البعد المحاصَر تتسلق كياني، ومن كل النواحي، رغباتٌ متلاحقة في الكتابة عما لم أشاهد أو أعرف أو أسكن.
-1-
«عروس الجليل»، الفيلم الذي طرح سؤال النكبة مجدداً، وجاء الطرحُ هذه المرة بما يحتاج له موروثنا الشعبي المحكي والمكتوب في روايته لما رَتّب له القدرُ في غفلة منا عام 48. جاء بحالة فردية تَعبقُ بالأسماء. فذاكرتنا الجمعية عن نكبتنا لا يكتمل تخليدها إلا بقصص فردية عن مكان وزمان وأشخاص محددين، أدلةً ملموسةً على بشاعة الاحتلال بما يعجّ به من تناقضات تناحرية مع جمال فلسطيننا وجليلنا وعروساته.
-2-
عمتي فاطمة الهواري، بطلة الفيلم الجليلية الجميلة، التي علمتُ، بعد السؤال عنها، بأن جدي في ترشيحا قبل النكبة، وكل شباب جيله كانوا يتخذونها عشيقةً من دون علمها. أقول عمتي فهي أخت المرحوم أبو مروان زوج منتهى أخت جدي أبا أبي أحمد المعروف بزينون، جدي المناضل الترشحاوي المزمن الذي سُمّيت باسمه وورثت بندقيته قلماً. قد تكون كل هذه اللفة محاولة للاستنجاد بحالة فردية أخرى، تخصني، تربط بين المتشبثين الباقين أبداً هناك، والمشتتين في كل «هنا و هناك»، تربط بينكم و بيني.
-3-
ترشيحا، آه يا من هربتِ عابرة السبع سماوات لتحطّي في أحضان الأرض المسماة فلسطين. يا من أتيتنا محمّلة بحور عينٍ ملأت الأرض بركاتٍ جليليةٍ وأنوثةً لم ترُق لحقد الاحتلال فقصف إحداهن. احفظي لي مكاناً فيك لأتعبّد وأرقص وأغني وأشرب وأعشق وأكتب، فلم ارتكب أياً من هذه الحماقات بعد.
تمنياً..
احفظوا لي نسخة عن الفيلم، قبلة من فاطمة أغيظ بها جدي الذي يغيظني- عن غير قصد- بقصصٍ عن ترشيحا وما تحفظَ له من ذكريات. واحفظوا لي كل التفاصيل هناك، كل القصص، لتحكوا لي ما فاتني من يوميات بلدتي.
محبتي
■ سليم البيك
ترشيحا- مخيم العائدين في حمص- أبو ظبي- محطة قادمة..
كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي