محمد خالد رمضان محمد خالد رمضان

ورشة عمل لتطبيق اتفاقية وقعت عام 2003 مع اليونسكو التراث الشعبي اللامادي.. والضرورات الكبرى لحفظ التراث والهوية الوطنية

دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى عقد ورشة عمل حول (تطبيق اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي) والتي عقدت في لبنان ـ بيروت خلال الفترة من 11 إلى 15/7/2011.

وقد شاركت الجمهورية العربية السورية في ورشة العمل هذه، بعشرة  مندوبين، علماَ أن دولاً أخرى كانت مدعوة أيضاً، إضافة إلى خبراء من المغرب ولبنان..

افتتح هذه الندوة، الورشة السيد وزير الثقافة اللبناني، وذلك في صباح الاثنين في 11/7/2011..

ورشة العمل في سطور

خصص كل يوم من أيام الورشة لموضوعات معينة تهم موضوع الاتفاقية، ففي اليوم الأول مثلاً، قدم الخبير المكون أحمد سكونتي موضوع (ما هو التراث الشعبي اللامادي) في الفترة الصباحية، ونوقش هذا الموضوع من  المشاركين نقاشاً جيداً، وفي الفترة المسائية قدم الخبير ذاته موضوع (المفاهيم الرئيسية لاتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي)، وأيضاً نوقش هذا الموضوع من  الباحثين وأبدوا وجهات نظر عديدة.

وهكذا كانت تقدم المواضيع المقترحة يومياً من  الحضور أما المواضيع التي طرحت في ورشة العمل فهي:

1- اتفاقية صون التراث الشعبي اللامادي ومن الذي يعمل؟

2- النوعية باتفاقية الصون المذكورة.

3- حصر التراث الثقافي اللامادي في نطاق الاتفاقية.

4- ضمان أوسع مشاركة للمجموعات المعنية بالتراث الثقافي اللامادي.

5- أفضل ممارسات صون التراث الثقافي اللامادي.

6- التراث الثقافي اللامادي والتنمية.

7- تطبيق الاتفاقية على المستوى الدولي.

8- سياسات ومؤسسات التراث الثقافي اللامادي في لبنان وسورية.

9- سياسات ومؤسسات التراث الثقافي اللامادي في بلدان المغرب الكبير.

10- تقييم ورشة التكوين.

شاركت في تقديم الموضوعات الخبيرة في اليونسكو والخبيرة في التراث الشعبي اللامادي الدكتورة أني طعمة ثابت.

ثم قامت الخبيرة المكونة المذكورة بإطلاع الوفود على ورشات عمل في معامل لصناعة الفخار والنسيج في قرية بيت شباب اللبنانية. ساهم الباحثون السوريون ضمن الوفد السوري مساهمات غنية أغنت مواضيع ورشة العمل خاصة في قضايا ما هو التراث الثقافي اللامادي وكيفية صونه، وماذا قدم الباحثون السوريون في سبيل ذلك. وما هي الكتب المطبوعة في هذه المجالات. إن كان في الحكايا الشعبية أم في الأمثال أم غيرها. وناقش المذكورون الاتفاقية وكيفية تطبيقها في الجمهورية العربية السورية وماذا تقدم لحفظ التراث والباحثين والكيفية التي تقدم بها لتطبيقها. والخطوات العملية التي ستتخذ في هذا المجال وقد التزمت سورية بموضوع فنون الأداء وهو موضوع هام. فنون الأداء وكيف تطبق في كل مجالات التراث الشعبي اللامادي. كالأداء في السيرة الشعبية وفي الحكاية وفي الأغنية وفي الزغرودة وغير ذلك. وكانت للوفد السوري نشاطاته الواسعة مع الوفود الأخرى وكلها انحصرت في قضايا التراث الشعبي اللامادي خاصة الأغاني الشعبية كيف تغنى ومتى وأين. ولفت هذا النشاط أنظار الوفود الأخرى. وتمت لقاءات أخرى فردية مع الخبراء المغاربة واللبنانيين دارت حول الموضوع الرئيسي وهو تطبيق اتفاقية حفظ التراث الثقافي اللامادي وقدم عدد من الباحثين السوريين مداخلات تخص الموضوع، وقد تقدمت بمداخلة مكتوبة أقرب إلى المقالة القصيرة حول ذلك وكانت بعنوان (صون التراث الشعبي).. وهي المنشورة في هذه الصفحة.

صون التراث الشعبي

وجد التراث الشعبي اللامادي نتيجة مجريات وتطورات عديدة عند إنساننا، لن نخوض فيها كلها، ولكننا يمكن أن نعدد أهمها، ومن هذا الأهم:

1) اكتشاف الزراعة.

2) اكتشاف بعض المعادن كالحديد.

3) تطور العمل حتى وصل إلى الحرفة.

وغير ذلك من الأمور..

ومن هنا نشأ هذا التراث الشعبي التي تعود بعض عناصره إلى آلاف السنين، ثم أخذ يتطور ويتفرع بتطور العمل الإنساني، واستمرينا نحمله في ذاكرتنا الشعبية، إذ استقر فيها باستقرار الإنسان في تجمعات القرى والمناطق والمدن...

وكان يتناقله ويحفظه، ويعمل به في أفراحه.. ويقدمه في أتراحه، ويسمر به لياليه إلى آخر ما هنالك.. ثم بدأ هذا التراث الشعبي اللامادي يتعرض للخطر نتيجة عدة أسباب، ومن أهمها:

1) مجيء الثورة الصناعية.

2) تغير عمل الإنسان.

3) المكتشفات العلمية الهامة.

4) اختراع الحاكي والرائي ووسائل الاتصال.

وبدأت هذه الأشياء تدخل بلادنا منذ ما يقارب مئة إلى مئة وخمسين سنة. ولانتشار الأمميتين العلمية والثقافية في تلك الأيام.. لم يستشعر الناس ذلك الخطر الداهم على التراث الشعبي، ولم يستشعر ذلك إلا في منتصف القرن العشرين، واستمر الخطر لأننا كنا حينها نفتقد للمهتمين والباحثين والجامعيين إلا ـ فيما ندر ـ من بعض الغيارى على التراث الشعبي، يضاف إلى ذلك عدم الاهتمام الرسمي حينها بذلك الأمر، واستمر الخطر أيضاً لوفاة حملته من كبار السن رجالاً ونساءً ـ ورغم تقدم التعليم وزيادة الاهتمام بقضايا التراث الشعبي ـ إلا أن هذا الاهتمام لم يبلغ مداه، ولم يصل إلى الحد الذي يجب أن يصل إليه. وها نحن وأمام أعيننا، تضيع تلك الكنوز، تضيع تلك الآثار، آثار علوم الشعب، آثار حياته، أثار أيامه ولياليه.

تلك المعارف التي يمكن أن نستنتجها من تراثنا، وما لنا إلا أن نقول: آه وآه. مالنا إلا أن نصرخ: أنقذوا بقية تراثنا الشعبي اللامادي من الضياع. وبرأيي إن أهم عناصر التراث الشعبي المهددة بالضياع، التي تأتي في الدرجة الأولى ـ الأغاني الشعبية ـ ونعددها حسب الأهمية:

‌أ) أغاني العمل وهي:

أغاني الحصيدة، أغاني الزرع، أغاني التعشيب، أغاني الحراثة، أغاني الرجيدة، أغاني الدراس، أغاني التذرية، أغاني البرغلة، أغاني الجرش، أغاني الجورعة، أغاني الاستسقاء، أغاني المواسم، أغاني الأعياد، أغاني التكشيك، أغاني القطاف، أغاني التسليق، أغاني التتريب والبناء، أغاني البيدرة، أغاني الكيال، أغاني السقاية.

‌ب)  أغاني الأعراس:

الزغاريد، أغاني الحمام، أغاني الجلوة، أغاني الخفة، أغاني الدبكة، التراويد، أغاني العراضات، أغاني الصمدة، أغاني الخرج، أغاني الجهاز، أغاني للتعاليل، أغاني الحلاقة للعريس، أغاني التلبيسة، الدبكات الشعبية، أغاني الحنة.

‌ج) أغاني الأفراح الأخرى، ومن أهمها:

أغاني عودة الحجاج، أغاني الطهور، أغاني النساء الخاصة بأعراس النساء (والتي هي برأي من أهم الأغاني وتدعى الأغاني الخاصة أو المكشوفة)، أغاني الطعام الخاصة..

‌د) أغاني الهنهنة والترانيم:

وتشمل أغاني الألعاب الصغار، أغاني الألعاب للكبار، الأغاني الدينية، أغاني الأطفال العادية، أغاني الحرف.

‌ه) التناويح الشعبية.

‌و) الحزازير الشعبية.

‌ز) الألقاب الشعبية.

‌ح) الأسمار الشعبية.

‌ط) المصطلحات الشعبية.

‌ي) الكنايات الشعبية.

‌ك) اللهجات الشعبية.

العناصر الأخرى من التراث الشعبي اللامادي، والتي تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية:

الحكايات الشعبية، بساطات الحكايات الشعبية، الأمثال الشعبية، التشابيه، العادات الشعبية، التقاليد الشعبية، المعتقدات، السلوكات، الأقوال، النكات، الطرف، المواعظ، النوادر، التهاليل، أغاني السمر في السهرات، أغاني السيارين، أغاني المناسبات، التعابير.

هذا الكم الهائل من عناصر التراث الشعبي اللامادي، والذي لم أذكره كله وما يزال هناك الكثير. هناك الكم خاصة ـ الذي يلزمه جمع فوري ـ لأنه يضيع ويفقد بسرعة، ويتطلب العناية الفائقة والسريعة، بل يتطلب لجنة إنقاذ فورية. وهذا لا يستطيع القيام به سوى الجهات التي بيدها الأمر، الجهات المسؤولة إضافة إلى عمل الجامعيين أولاً والباحثين ثانياً.

وبرأي يتطلب ذلك لجنة إنقاذ وطنية مع عناية الجهات الثقافية العالمية ـ مثل اليونسكو ـ وأعتقد أنه بوجود النيات الصادقة، ووجود العزم والتصميم على التنفيذ، يمكن لنا أن نحقق الكثير في هذا المجال، ويمكن لنا أن ننقذ ما بقي في ذاكرات المسنين الذين مازالوا على قيد الحياة.

حظيت هذه المداخلة الطويلة باهتمام الجميع خاصة ما سميته بالأغاني النسائية الخاصة والتي سميتها (الأغاني المكشوفة) وهي الأغاني (المحرمة).

وهذه الأغاني هي أغان كانت تغنى في الأعراس الشامية الدمشقية التي تقتصر على النساء فقط. وهي تغنى بالحب والجسد والمداعبة أي هي أغان (إيروتيكية) بامتياز. ولقد جمعت من تلك الأغاني حوالي /85/ أغنية بكلماتها وألحانها وأنا أحفظ ألحانها كلها، وطريقة أدائها، وهي طريقة طريفة ومدهشة.

وهي فولكلورية تماماً أي غير معروفة المؤلف والملحن، وأصبحت تراثاً شعبياً لامادياً. وعمرها يعود إلى مئات السنين. وعلمياً أن هذه الأغاني نشأت عندما تم تقسيم العرس إلى عرس ذكوري وعرس نسائي في المجتمع الدمشقي.

إن ندوة (ورشة العمل حول تطبيق اتفاقية عام 2003 بشأن صون التراث الثقافي غير المادي) ندوة علمية هامة. ساهم فيها المشتركون بنشاط وأضافوا استنتاجات لا بأس بها أغنت طرق تطبيقها في كل دولة. وهذه الورشة من نشاطات اليونسكو المفيدة.

ولا بد أن أشير أخيراً إلى تقييم ندوة ورشة العمل الذي تم الاتفاق عليه من المشتركين:

1) تعرفنا اتفاقية صون التراث الشعبي الثقافي غير المادي بشكل جيد.

2) كان النقاش والحوار ديمقراطياً.

3) اتسمت النقاشات بالجدية.

4) زيارة قرية بيت شباب زيارة ميدانية هامة.

5) اتسم اللقاء بين التراثيين في سورية ولبنان بالغنى.

6) ساهم كل الزملاء تقريباً بالنقاشات التي جرت.

7) اعتبر التراث الشعبي بشقيه المادي وغير المادي قضية وطنية بامتياز.