خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين: سطوة البضاعة المستوردة

قال الشاب المستجد في كار القراءة، محاولاً لفت انتباه من حوله «لا اقرأ إلا ما يصدر لميلان كونديرا». بالطبع لم يستطع الدفاع عن فكرته إلى آخر النقاش،إذ سرعان ما اندحر إلى الخلف، متخندقاً بالصمت.



 

لاشك أن ميلان كونديرا أحد أهم الروائيين في العالم، ولكن الأسباب التي وضعته في الواجهة ليست أدبية تماماً. الشيوعي التشيكي المرتد، واليهودي أيضاً -إذا سمحتم- علامات إضافية كي تستقبله الأوساط الثقافية الفرنسية، ثم تعيد ترتيب وتوضيب بضاعته، قبل تصديرها إلى أنحاء العالم. من جهتنا كمستهلكين انكببنا على قراءة كونديرا مسحورين بما كُتب عن عبقريته، من دون أن نفحص ما بين السطور. لا ينكر أي قارئ منصف حجم الابتكار في بعض أعمال هذا الروائي، لكن أعمالاً أخرى، لا تستحق كل هذه النشوة والكرم العربيين المعهودين في إغاثة الملهوف، وإكرام الضيف. ما إن خفت بريق كونديرا حتى أطل روائي «عالمي» آخر، هو باولو كويلهو. هذا الرجل يبيع روحانيات للقارئ الغربي بما يشبه صيدلية للتداوي بالأعشاب، لكن القارئ العربي أيضاً، استقبله ولا يزال بحفاوة نادرة، رغم أن البضاعة التي يبيعها هذا التاجر البرازيلي مستلة من بطون الكتب التراثية الإسلامية: حفنة حكم وأمثال وأقوال منثورة، ممزوجة بتوابل من التراث الهندي القديم، والحكايات الشعبية التي نجد بعضها في «ألف ليلة وليلة». فجأة تعرفنا إلى روائي آخر هو الباكستاني حنيف قريشي. الرجل يكتب بالانكليزية، وهمّه الأساسي خلع جلده الأسمر القديم وتبديل هويته «المتخلفة» بهوية أوروبية. ورغم إنها مشكلته الشخصية في الحصول على جواز سفر عالمي، إلا أن القارئ العربي، كعادته في الكرم وحسن الضيافة، لم يخذله فانكب على أعماله المترجمة بشغف: ألم تكتب عنه كبرى الصحف البريطانية؟ من نحن إذاً كي نقيّم أعماله ونزيحها جانباً؟ كنا قرأنا سلمان رشدي قبل ربع قرن، وما أن أحاطت به فضيحة «آيات شيطانية»، رحنا نفتش عن أعماله بين أكوام الكتب القديمة. هذا الاستلاب الثقافي العربي، يتكرر من جيل إلى آخر، بتغييرات طفيفة في الشكل. مازلت أذكر ذلك المثقف الوجودي الذي كان يتأبط كتاباً لسارتر أينما حلّ، في مدينة نائية، بالكاد اُفتتحت بها مكتبة صغيرة لبيع القرطاسية، وبعض الروايات الكلاسيكية. الرجل الوجودي نفسه، سمعت أنه دخل في قائمة الموظفين الفاسدين في تلك المدينة.. ليعش سارتر من دون معجبيه!