المركز الثقافي الوطني... مؤسسات هامدة وخطاب كلاسيكي ميت
المركز الثقافي ودون صياغة نظرية لتعريفه وتقديمه على أنه مؤسسة ثقافية تقدم كذا وكذا وتسهم بما يلي....، يمكننا أن نقول ببساطة بأن المركز الثقافي هو أقرب إلى صيغة ناد يجمع أهالي منطقة معينة ليقدم لهم مادة ثقافية أو اجتماعية أو صحية أو فنية إلخ، وبالتالي فهو بؤرة نشاط حياتي، ومؤسسة تفاعل بين الفرد والبيئة العامة، ملتقى دائم يخرج به الإنسان من الكلاسيكية المعيشية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المركز الثقافي هو كل ما سبق فلنسأل أنفسنا أين هي المراكز الثقافية التي تستحق لقب المركز الثقافي في سورية؟
الجواب لا يوجد مركز ثقافي على خارطتنا، وهذه الاستثناءات البسيطة التي تقوم بها بعض المراكز الثقافية في بعض المدن الصغيرة لا تشكل الصيغة المثالية لنشاط المركز الثقافي ولا في أدنى مستوياته.
إذا أجرينا استفتاءً اجتماعياً بسؤال «هل تزور المركز الثقافي؟» وتوجهنا به إلى طبقة متوسطة الثقافة والعلم، فالجواب الأكثر توقعاً بأن أغلبية المستهدفين لم يدخلوا المركز الثقافي في حياتهم إلا بمصادفات بسيطة ولمبررات معينة لا تتعلق بالارتباط العضوي بالمركز الثقافي، أو بالانتماء إلى المؤسسة الثقافية المتموضعة في الحي.
وإذا توجهنا إلى إدارات المراكز الثقافية وسألنا من هو جمهوركم؟
رغم محاولة الالتفاف حول الجواب إلى أن النتيجة البديهية أن الجمهور هي مجموعة من الوجوه المتكررة التي لا تملأ أكثر من 10% من مساحة صالات المركز، وهي مرتبطة بالمركز الثقافي بسبب علاقة مع أسرة المركز أو علاقة قديمة مع المركز ذاته،.
من خلال عدة متابعات لنشاطات المراكز الثقافية الوطنية في دمشق يمكننا أن نصل إلى نتيجة مفادها، أن هذا المركز مفتقد للجمهور، ومفتقد للمثقف في آن واحد، والفاقدان مرتبطان تكاملياً ببعضهما، فالمركز الثقافي الذي لا يقدم مادة ثقافية مهمة دورياً لابد أنه سيفتقد الجمهور المهتم، كما أن المركز الثقافي الذي لا يشتهر بجمهور معين لن يجذب أسماءً ونشاطات ثقافية هامة، والزيارات المتتالية للمراكز الثقافية أيضاً تحقق لدينا مفهوماً مفاده هو وجود فصام بين الجمهور وبين النشاط الثقافي الذي تقيمه المؤسسة الرسمية المتمثلة بالمركز الثقافي، وخاصة جمهور الشباب، وهذا لا يعني أن المتقدمين بالعمر مقبلون بنهم على تلك النشاطات، إلا أنه يدل على أن الفئة الشابة الأكثر استهدافاً في الثقافة ملغية الحضور في صالات المراكز الثقافية بشكل شبه تام.
ويبدو أن هذه العلاقة بين الجمهور والمركز باتت متمركزة حول كونه مركزاً ثقافياً وطنياً خال من البرامج والمشاريع، حيث إن أقل النشاطات الثقافية أهمية في المراكز الثقافية الأجنبية تلقى حضوراً واهتماماً من الجمهور لثقتهم بنوعية برامجها واهتمامها بالثقافة التي قد تقف خلفها مؤسسات سياسية وفكرية تسعى لترويج ذاتها، دون أن يكون هنالك مؤسسة وطنية تقف بالمرصاد لذلك وتأخذ هذا الجمهور إلى طرفها.
منذ أكثر من عام تم عرض فيلم في مركز ثقافي أجنبي بدمشق وبعد فترة تم عرضه في مركز ثقافي عربي، لنجد الجمهور متوافداً إلى الأول ونادراً في الثاني، وهذا لا يعود إلى ضعف الإعلان والتسويق فحسب، بل إن مجرد فكرة الذهاب إلى ثقافي كذا أو كذا تشكل مصدر نفور لدى جمهور الثقافة.
في الريف حيث لا مؤسسة ثقافية أخرى قد يكون وضع المركز الثقافي الوطني أفضل من المدينة، وربما لا يجد السكان غيره للحصول على قيمة ثقافية معينة، إلا أن هذا لا يقدم صيغة مثالية بقدر ما هو رد فعل على الواقع المحيط.
تكون بذلك المراكز الثقافية أبنية شبه خاوية إلا من مجموعة موظفين لا تهم أغلبهم نشاطات مؤسستهم أو إقبال الجمهور عليها مادام الراتب سيصل في الحالتين إلى الجعبة مع نهاية الشهر، وهنا لا نضع عبء الخطأ عليهم بل على المنظومة الثقافية العامة والرؤية المؤسساتية للمركز الثقافي في سورية