الكتاب وغلافه: افتقاد ذلك الوجه الجميل
صناعة الكتاب العربي إحدى أعقد مشكلاته، ولا تختلف من حيث الأهمية عن توزيعه وسهولة تبادله، والمشكلات الأخرى التي لا تزال معلقة دون حلول.
يعمل الناشر على صناعة الكتاب بأقل التكاليف الممكنة، دونما اعتناء بالشكل الذي سيكون عليه، فالأهمية الكبرى –برأيه- تكمن في المضمون، وإذا ما أخذنا هذا على أنه طيب نيّة، فسوف نكتفي بقولنا إنه يخسر بهذا التوجه الجانب الفني كعنصر جذب حساس. لكننا إذا ما استعنا بالمكر، فلن نرى إلى ذلك إلا بخلاً، بخل التاجر على وجه التحديد. فالناشر العربي يعمل على تقليل المصاريف ما أمكنه، وبالوقت نفسه، يرغب بجلب أكبر قدر من الأرباح، في ثنائية متناقضة لا نراها منسجمة إلا على جسد هذا الكائن المستباح: الكتاب!!
البضاعة الجيدة هي تلك التي يبذل عليها ثمن كبير.. هذه قاعدة، ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء عدم وجود فن كتب بالمعنى الحقيقي للكلمة، على الرغم من أن دوراً عربية كثيرة حققت ذلك، لكن تجاربها لم تصبح مسطرة أو منهجاً إلى الآن، لغياب رؤوس المال المستثمرة في هذا الحقل، فيما الموجود على الأرض ليس أكثر من ناشرين (على قدّ الحال) كما يقول المثل. وبهذا الصدد يقول تمام عزام (تشكيلي ومصمم غرافيكي): «مفاهيم دور النشر لا تزال متخلفة بخصوص الغلاف، فهو مجرد جلدة، لا أكثر، لهذا فهم يسترخصون ويستسهلون». المقصود بالاسترخاص أن الناشر لا يكلف فناناً لتصميم الغلاف، بل ربما أوكل المهمة إلى خبير فوتوشوب، يعطيه فكرة فيقوم بتنفيذها. أو أن يقوم هو ذاته (الناشر) بالعمل، من خلال لصق لوحة، ووضع العنوان والاسم عليها، ويكتب داخل الكتاب التصميم (القسم الفني في الدار)، وهذا القسم الفني ليس إلا هو شخصياً.
بالنسبة لاستخدام اللوحات على الأغلفة، ثمة ما يدعو فاضل الفاضل (دار أطلس) إلى الاستنكار: «لا يجوز السطو على اللوحات بالمعنى القانوني ولكن ما الذي نفعله إذا كانت الحياة ذاتها معرضة للقرصنة؟».
ترى هل هناك علاقة ما، رابط جمالي معيّن ومقصود، بين اللوحات والكتب؟؟ هذا السؤال يطرحه عمران يونس (تشكيلي) ويرى الأمر: «يجب أن يكون غلاف الكتاب مثل ديكور المسرحية، بمعنى أن يتجاوز حالة التزيين الفارغة إلى إيجاد علاقة عضوية بالنص». وهو بهذا يدعو إلى أن يكون العمل الفني قد اشتُغل أساساً لمصلحة الكتاب، ويضرب مثالاً هو التالي: «ثمة أكثر من كتاب صدر عن «دار المدى» وعلى الأغلفة لوحات للفنان الكبير جبر علوان. الكتّاب مختلفون والمواضيع مختلفة، وجبر علوان واحد!!».
يستغرب محمد عمران (تشكيلي) تغير أغلفة الكتب المترجمة التي تكون في قمة جمالها في طبعات لغاتها الأصلية، في حين أنها في الطبعة العربية يصبح الكتاب في مكان وغلافه في مكان آخر. «أميل إلى الغلاف المتقشف».. وبذلك يلامس نقطة هامة، إذ قلما نجد غلافاً على قدر من التواضع، فالادعاء حاضر دوماً.
ولعل قضية التقشف تقودنا إلى اقتراحات قدمتها دور معروفة، عملت على توحيد الأغلفة، باختلافات لا تتجاوز عنوان الكتاب، واسم المؤلف مثل «دار ورد» ، «دار الفارابي»، «دار الجديد».. ولكن هل يعطي التوحيد البراني هوية للكتاب؟ سامي أحمد (ناشر): «لا أؤمن بتوحيد الأغلفة على الإطلاق لأنها ستصبح مثل الباصات العامة». ومحمد عمران يراها: «عملية تشبه إلى حد كبير عملية التجليد القديمة، حين كانت المكتبة كلها سوداء، دون أي خصوصية».
لا علاقة لتوحيد الأغلفة بالهوية الفنية، فالتجربة بالأساس ليست أكثر من استنساخ لتجربة سابقة، فقدت رونقها في المنشأ. أما الهوية الفنية الحقيقية، فهي ما يقترحه تمام عزام: «هي الموقف من كل ما هو إعلاني، بتقديم كتلة بصرية موزونة، تحمل قيمة جمالية، فيها شيء من المفاجأة، وتقوم على احترام كامل للمتلقي».
تصميم الغلاف مشروع فني بحاله، يوازي بالأهمية الكتاب نفسه، بل يساهم في نجاحه وشد الاهتمام إليه، لكن هذا كله لن يتحقق ما دام الكتاب أسير الأزمات التي هو فيها، وما دامت عملية النشر (تمشاية حال). ولعلنا ضمن ما هو متاح لن نصل إلى جعل الغلاف «وجهاً للكتاب» كما يقول المصمم أمين القاضي..