يوم حزين.. و«سالم على التلة صار.. بردان»!
القصة بدأت عندما قال زياد الرحباني عبر مقابلة مع موقع العهد اللبناني, بأن والدته السيدة فيروز «تحبّ السيد حسن كثيراً، مع العلم أنها ستعتب عليّ كما المرة الماضية عندما ظهرت في مقابلة تلفزيونية، وكشفتُ عن بعض الأمور الخاصة بها وقاطعتني حينها»..
خاص قاسيون
العبارة هذه أطلقت في لبنان حرباً جديدة تضاف إلى سلسلة الحروب العبثية التي لطالما حاولت فيروز عدم الخوض بها في ظل الانقسامات على كل صغيرةٍ وكبيرة , شاردةٍ وواردة.. حيث يبهرنا المتصارعون دائماً بداحس وغبراء معاصرة، تقتل معها بالتدريج معاني الإنسانية والجمال والرقي والهدوء والوطنية الخالصة قولاً وفعلاً.. فعندما قام زياد بذكر رأي أمه حول أحد أبرز ممثلي المقاومة في لبنان لم يجد «دواعش» حرية التعبير أي باب لرأي فيروز في أبجديات معاجمهم الليبرالية وحكموا عليها بالرحيل، في استغلال لمعنى الحرية وتجرد من الأخلاق التي ظنوا بأنهم وكلاؤها الحصريون... لكنها تعرت منهم عندما قرروا أن يتهموا فيروز وابنها بالطائفية.. بعدما كان بيت الرحابنة يمتلك القدسية العابرة للطوائف والتيارات السياسية عند الجميع، والمنافقون تحديداً هم من كانوا يقتبسون من فن فيروز وزياد ليهاجموا حزب الله.. فأي كابوس يعيشون هذه الأيام!؟..
زياد الذي قال «بلا ربيع عربي بلا بلوط».. لا يخفي موقفه المؤيد للمقاومة في لبنان.. بوصفها الحلقة الاقوى في مواجهة «إسرائيل» هناك ... لم يسلم هو الاّخر من تلك «النخب الثورية المثقفة» التي اختارت أن تصطف في مشروع الفاشية الجديدة.. ويبدو أنهم نسوا أن فيروز وابنها ينتميان إلى ربيع آخر، ربيع حقيقي غير هذا الربيع.. نسوا أن فيروز قد غنت «الربيع زار هذي الديار وكساها اخضراراً فاضحكي يا ربوع الشتاء»... فإلى أي فصل ينتمي ربيع هؤلاء؟ وأين اللون الأخضر فيه؟
السؤال هنا.. من أنتم حتى تهاجموا فيروز وابنها؟.. وماذا تقدمون مع نظرائكم من متشددي الأطراف الأخرى، لمجتمعاتكم سوى زيادة الشروخ على أعلى المستويات بتطرفكم هذا! وانقلابكم جميعاً إلى مهاجم ومدافع مبتذل عن مدرسة فنية فكرية شعبية وطنية لن تدركوا عنقها يوماً..! من سيبقى بعد اليوم يصدق كلامكم عن حرية الفكر والتعبير!..عقود مضت كانت فيها أعمال الرحابنة منارة للأجيال التي عاصرتها.. وبقيت حتى يومنا هذا.. فإن كنتم غير قادرين على احتمال «رأي» ما من «أيقونة» تكلمت فيها الإنسانة فكفرتموها.. أو فنان اجتازت أعماله زمنها، «فلم أمريكي طويل»، على سبيل المثال لا الحصر.. فبأي مستقبل تبشرون؟!
في زمن الحرية المشروطة بصنوف القمع السياسي والفكري المتبادل.. يستمرُ ضيقو الأفق بالتعثر تباعاً.. ويهوون إلى الدرك الأسفل.. ليأخذوا مكانهم الطبيعي.. دون أن يتمكنوا من رؤية أبعد من أنوفهم بقليل..
أما الأيقونة التي علمتنا معاني كثيرة فلربما هي نفسها الفنانة التي لن تعير انتباهاً لهذه الوضاعة.. ولن تبخل علينا نحن الذين نحبها بالكثير من غذاء الروح حتى لو بقيت صامتة.. فإما أن يحترموا رأيها وتبقى أعمالها منهلاً لهم ولنا... وإما أن يخسروا ما بقي فيهم من إنسان..
إنهم «رفيقي صبحي الجيز».. إنهم فيروز وزياد يا رفيق.. وعنا ثقة فيهم ..والحرب عليهم حتماً.. خاسرة!