من التراث «من وصية الإمام علي (رض) إلى ولده..
روي أن علياً بن أبي طالب (رض) كتب وصية لولده الحسن (رض) نختار منها ما يلي:
فإني أوصيك بتقوى الله، أي بني ولزوم أمره. وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين، و نوّره بالحكمة، وذلك بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصرّه فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام، أصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف، وامسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكفّ عند حيرة الضلال، خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، وانكر بالمنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان، يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك، واعلم أن الاعجاب ضد الصواب،
ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً، وما خير خيرٍ لا ينال إلاّ بشرّ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر،وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فأنك مدرك قسمك وآخذ سهمك، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسرّه، ورب ساع فيما يضره،
بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم،
والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة، ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب.
لا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين، وامحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولن لمن غالظك، فإنه يوشك أن يلين لك، ومن ظنّ بك خيراًَ فصدّق ظنّه، ولا تضيعنّ حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك أخ من أضعت حقّه، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبن فيمن زهد عنك، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه يسعى في مضرته ونفعك،
اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى، ليس كل عورة تظهر ولا كل فرصة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
• المصدر:
شرح نهج البلاغة ـ أبن أبي الجديد
■ هشام الباكير
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.