لا أريدكِ يا حرية

لن أترككِ يا بلادي
فلا تخافي
ولن آتيك أيتها المدن الحرة
فلا تخافي أيضا
لا تدققوا في جواز سفري
يا موظفي السفارات الفخمة
فأنا ذاهب لأيام ولن ابقى عندكم
لأنعم بالحرية
لن تغريني النظافة في الشوارع
ولا الأنظمة المدهشة

لن يبقيني راتب البطالة
ولا شهادات الضمان الصحي
ولا مستقبل الأطفال المشرق
لن تأسرني حرية الرأي
ولن تعرقل الصحافة الحرة
مسيرتي نحو المطار
لن تثنيني قوانين احترام الفرد
عن العودة
فاعطني الفيزا أيها الموظف
لأنني لن أمكث في بلادك لأكثرمن أيام
فأنا ضيف
ضيف على حريتك
ضيف على صحافتك الحرة
ضيف على نظافة شوارعك
ضيف على كل ماصنعته يداك وأيادي أجدادك
وسأشتاق...
سأشتاق إلى كبتي الذي صنعته مخيلتي المريضة
إلى قضبان السجون التي صنعها أجدادي
واعتنيتُ بها طيلة حياتي
سأشتاق إلى الحزب الواحد
الذي دعمتُه بصمتي
ووسّعتُ قواعده بخوفي الجليل
أحبكِ يا بلادي
أحبُّ هواءك الملوث الذي اخترعه أقربائي وجيراني
وجمّلته بدخان سيجارتي ومدخنة الميكروباص الذي يقلّني
أحبُّ أنهاركِ القذرة التي رميت فيها أكياس الزبالة السوداء
وموظفي دوائرك الذين وضعتُ لهم نقود الرشوة في أوراقي
أحب صحافتي التافهة التي كتبتُ فيها مرارا
وتلفزيوننا الممل الذي ظهرتُ على شاشاته سعيداً وفخوراً
أعشقُ تماثيل الرؤساء التي نحتها أصدقائي النحاتون
وأقوالَهم المأثورة التي يرددها زملائي الصحفيون
أعشقُ المسؤولين الفاسدين الذين أمتدحهم كلما التقيتهم
وأموت عشقاً بالشكل الفريد للحرية وقد داستها البساطير
التي لمّعتها بنفسي
أحبكِ يا بلادي
لأنك بلادي أنا
أحبكِ يا تعاستي
لأنك تعاستي أنا
لا أريدكِ أيتها الحرية
لا أريدكِ
الحرية لمن يصنعونها
وليست للضيوف