«نجمة واحدة» في مقهى «جفرا»... سميح شقير شاعراً

حشد جماهيري لم يكن متوقعاً لحضور توقيع كتاب في الأردن، فمثل هذا الحضور قد يكون لحفلات غنائية، خاصة وأن الشاعر الذي يوقع ديوانه هذه المرة هو المغني الملتزم «سميح شقير» والذي طالما التحم مع جماهيره مغنياً، صاخباً، يملأ الفضاء ضجيجاً وثورة.

ومنذ اللحظة الأولى التي دخل فيها سميح شقير الصالة على جماهيره، بدأ الجمهور ينشد له من كلماته وأغانيه: إن عشت فعشت حراً، لو يوم تنادينا يا الوطن والصوت يرد/ تلقانا ع حدودك بالسلاح اللي ما ينرد، رمانة.. رمانة.. ع صدري وكلاشنكوف بإيدي، ولتعلو وتيرة النشيد بعد ذلك في: لو رحل صوتي/ ما بترحل حناجركم/ عيوني على بكرا/ وقلبي معكم/ لو راح المغني/ بتظل الأغاني/ تجمع القلوب المكسورة/ واللي تعاني.

ولم يكن الملفت هذا الكم من الحضور الشبابي الذي طغى بصورته على عامة الجمهور، الذي في العادة يكون في الأمسيات الشعرية، وتوقيع الكتب من جيل المسنين، إلا أن «العشرينيون» قد احتلوا معظم المساحات يرددون أغاني شقير عن ظهر قلب مؤكدين على امتداد التجربة وحضورها ذاكرة عصية على النسيان، قابلها شاعرهم ومطربهم بابتسامة وعينين دافئتين بينما عدسات القنوات الفضائية ووكالات الأنباء والصحف تلتقط الصورة التي لم يشهدها أي مقهى عمّاني لأي مبدع من قبل.

بدأ الحفل بترحيب من مدير مقهى جفرا عزيز المشايخ بصاحب «نجمة واحدة» وقدم الفنانة المبدعة هيفاء كمال خليل، إحدى أعضاء فرقة (بلدنا) لتقدم أغنيتين دافئتين بصوتها دون إيقاع موسيقي، لاقت ترحيباً وحماساً من الجمهور وسميح شقير كذلك، فغنت: مررت أمسي على ديار/ انفض الحزن المعشش على جدار/ وأقبّل الأرض التي وطئ الصغار/ مررت أمسي على ديار...، وأكملت هيفاء كمال خليل من كلمات سميح شقير أغنيتها الثانية: هدهدي روحي وامنحيني السلام..

كما قدمت الدكتورة غادة قراءة نقدية سريعة في تجربة سميح شقير الشعرية في مجموعته الأولى «نجمة واحدة» مؤشرة على قيم الحرية والأرض والعشق والشهداء التي احتوتها المجموعة، مستحضرة أهم المفاصل في التجربة الصادقة والمعبرة الممتدة ثلاثة عقود من الزمن.

ووسط تصفيق غير منقطع صعد شقير المنصة ممتناً لجمهوره معتبراً إياهم «القصيدة الأولى» في هذه الأمسية حيث الوجوه هي التي تكتب، فيما القصيدتان الأخريان صاغتهما غادة بكلامها العابق بالحب والمعاني.

وافتتح شقير قراءته بقصيدة «الحطاب» وهي فاتحة الديوان: موضحاً فيها رؤيته الخاصة للحياة وفلسفتها، إذ يقول في أحد المقاطع: قدماي من شجرٍ/ وعمري من شجرْ/ وأقول للحطّاب أجلّني قليلاً/ ما زال زيتٌ في سراجي/ وأقول للحطاب فلترتح قليلاً/ من طرق بلطتك الفتية/ اترك زماناً كي يلم العاشقون/ من الندى قبلاتهم.

وتابع شقير قراءة قصائد: «الهاوية» و«الوقت» وصولاً إلى قصيدة «ليس لي»

التي انطلقت من مسحات ذاتية للشاعر تصور عن قرب رحلته التي تحفى بالتباسه: يا أيها الولد الذي أهدى العصافير إلى ربّ الشجر/ كم أشبهك/ يا أيها المشنوق من كتفيه لا يحيا/ وليس يموتْ/ كم فيك التباسي/ يا رحلة العنقود نحو العصرْْ/ يا رحلتي.

ومن «سلامٌ» على قامة الورافين إلى «سلمنا» حيث اقترب الشاعر من جرحنا أكثر، فتذهب به الذاكرة حسرة على مجدً بائد وحاضر خان ماضيه، فيقول في مقطع منها: ولم نبتلع غير سِقطِ المتاعْ/ بنا بدأت حروف الأبجدية، سرّ التجارة/ درب الحرير/ وأميّون انتهينا لنلعن وجه المثقف والمستنير/ ومبتدئون برصف الشوارع/ مبتدئون بنحت المصير.

وقرا شقير قصيدتي «فجأة» و«حين تكفي» ليختم بقصيدة «نجمة واحدة» التي تحمل اسمها المجموعة الشعرية والتي نسجت عشقاً مصفى فقايضها الشاعر رؤيتها باضطرابه، ويغني لتكترث به ثم يدنو فتبتعد وراء الغيوم حتى تبكي البنات عليه عاشقاً ناحلاً سيبث الحب فيه يوماً الحياة، حيث أنهى لحنه الجميل بالمقطع الآتي: أنا ما أنا... رائع في هلاكي/ بخفة ريش العصافير أمشي/ بنشوة كل النبيذ المعتق في الكون خلقت/ مثل الكراكي/ وليس سوى أن أحيطك تبراً/ فما الذهب المشرقيّ سواك.

وتوافد الجمهور بعد انتهاء الأمسية نحو شاعرهم موقعاً على ديوانه الذت استدعت فيه نجمته الواحدة بداية قصة التكوين، وتجمعت النايات فأصبح سامقاً أو فجأة يتموسق الصخر ويخضر الرصيف، ليقف الضجيج على يديه ويرتدي صوت الحفيف . 

■  مهند صلاحات – عمّان

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:09