مشاريع نشر القراءة متى ينتهي الاغتراب بين الكتاب وقرائه؟
انطلاقاً من الرغبة النبيلة في نشر الثقافة، وتوسيع مساحة تداول الكتاب، قامت الكثير من المؤسسات بالعمل وفق مبادرات متفرقة، هنا وهناك، عسى ولعل تحل مشكلة هذا «الشعب الذي لا يقرأ»!
بدايةً، المعروف أنّ القراءة، كفعل متعة أوّلاً وأخيراً، شأن شخصي يتعلق بخيارات فردية، تحسم منذ فترة اليفاعة، الأمر الذي يقود إلى مساءلة المدرسة حول ما فعلته بخصوص زرع تلك البذرة في النفوس، من خلال مناهج تسعى إلى خلق محفّزات، عبر ما تقدّمه من نصوص تبني ذائقةً، وتنشئ عقولاً نقديةً. كذلك تفعيل مهمة (أمين المكتبة المدرسية) التي باتت تعني الآن، بشكل أو بآخر، وظيفة مريحةً للنافذين، أو للمعلمين المرضى، وهو ما يعني تعطّل هذه الجهة، ناهيك عن أهمية إعلاء شأن الكتاب شعبياً، ونشر حسّ الواجب تجاهه، إذ تنحو الثقافة الشعبية إلى ازدرائه، وحتى القرآن الكريم نفسه، يعلّق على جدران البيوت أكثر مما يقرأ. طبعاً غير صورة القارئ، في الوعي الجماعي، والتي ترادفها كلمات الكسول.. العاطل.. المضيّع للوقت..إلخ. ضمن هذه النقاط وسواها، ستكون الأولوية لتوفير الشرط الملائم، قبل الخوض في أية أمور أخرى، لأنها لا تعدو كونها تفاصيل، فيما بعد. أمّا الملح الآن، فلتكن الاقتراحات الحقيقية في مجال ثقافة الطفل والناشئ، بعيداً عن نوايا التعليب، وآليات التدجين.
وليكن، أيضاً، العمل في الجامعات على تعزيز الروح البحثيّة، والابتعاد عن عملية الحشو والتقرير التي أثمرت هذا الخراب، وليكن هناك تفعيل للحركة الثقافية.. وحين يصير المناخ مهيّئاً، زاخراً بالحراك، غنياً بالتفاعل الإيجابي، وقتها سيكون الكتاب حاجة ضرورية، وسلعة مطلوبة.. أما في هذا التردي والنكوص فلا.
كلّ المشاريع، التي انطلقت منذ سنوات، وضعت في حساباتها المسألة الاقتصادية، حيث تعاني الكتب من غلاء الأسعار، لكنّ السلع الأخرى غالية أيضاً، ومع ذلك نشتريها. وبناء على هذا الحساب طرحت منظمة اليونيسكو مشروع «كتاب في جريدة»، وهو، للأمانة، من أهم المبادرات، وأكثرها طموحاً، وأرقاها، لكنّ الذي حصل أنّ القارئ كان يشتري الجريدة، ويترك وراءه العدد للبائع الذي يبارز فيه تجار الورق بالكيلو، وتبدو هذه المشكلة ذات أوجه، ربّما كان أبسطها أنّ قارئ الكتب مختلف نوعياً عن قارئ الصحف.
ولا يختلف الحال في التجارب المشابهة، مثلاً مشروع وزارة الثقافة ودار البعث الذي يثمر كل شهر عن كتاب بطبعة شعبية، ولكنّ دار البعث لا توزعه إلا للمشتركين في الجريدة فقط، وقد صدرت في هذه السلسلة أعمال هامة لكتاب سوريين وعرب وأجانب، قدماء وحديثين، دون أن تواكب بتفاعل مع القراء، ضمن أدنى الحدود.. مثله تماماً المشروع المشترك بين دار المدى وجريدة الثورة السورية، كما تتعاون صحف عربية، كل واحدة في بلدها. لكنّ الذي حدث أننا، هنا، قرأنا كتاب المدى الصادر بالتعاون مع جريدة «القاهرة» المصرية، ولم نعثر على ما تصدره الثورة، ربما لأنها تتبادل النسخ مع القاهرة! مع العلم أنّ الإصدارات نفسها تطبع بشكل خاص في المدى، وتباع بسعر معقول، مما يعني أنّ المشروع ليس إلا حركة دعائية ذكية للجهة الناشرة صاحبة المبادرة.
وهناك كتب دورية شهرية، ككتاب الجيب الصادر عن اتحاد الكتاب العرب، وهو بلا أهمية تذكر، وكتاب «آفاق ثقافية» الصّادر عن وزارة الثقافة بدمشق، وهذه السلسلة تطمح لمنافسة السلاسل المكرسة، وليس ذلك بالمستحيل، لكنّها (آفاق ثقافية) لا تنفتح على الراهن في الثقافة السورية، ومشكلتها أنها مصرّة على تقديم كلاسيكيات.
لكلّ المشاريع شرف العمل لصالح فكرة الثقافة، إلا أنها تحتاج وقفة لقراءة الواقع، وربّما معالجة مشكلاته بعناوين على تماس معه..