تلفزة القراءة.. وغياب الروح
في التلفزيونات العربية ميلٌ ثقافيّ للاحتفاء بالكتب، وقد نجد الكثير منها نسخاً معادةً مكرورةً، على نمط فقرة «المجلة الثقافية» في تلفزيوننا المحليّ.
وعموماًَ، هذه الفقرات خالية من الجاذبية، حيث تتلو المذيعة تقريراً، لا علاقة لها به، بلا روح، على العكس من تلك البرامج الجادة التي تقدم لكتاب الحلقة عرضاً ونقداً وتحليلاً، باستضافة الكاتب، وناقد ذي وجهة نظر حقيقية، كما في برنامج «الكتاب خير جليس في الزمان» الذي يعده ويقدمه الصّحافي العربي خالد الحروب على قناة «الجزيرة». أو برنامج «كل يوم كتاب» الذي تبثّه «العربية» بشكل أكثر تكثيفاً.
في المقارنة بين النمطين، ننحاز إلى الأكثر جديةً واتزاناً، فجلّ ما يحتاجه الكتاب ترويج إعلامي، يفيد من سلطة الشاشة على المشاهدين، حيث يمارس ذلك الإغواء المعرفي على المهتمين، أو يثير فضول الآخرين، مما يساهم في قطع القطيعة المعلنة على هذا الكائن.
لكنّ النّمط الهزيل، مع الأسف، هو السّائد، فحيث يحكى عن الكتاب كيفما اتفق، بغض النظر عن فحواه وقيمته، على خلفية صور للغلاف، أو للصفحات، يحدث أن يعاف القراء الحقيقيون ذلك التهريج المجاني، وأن يزداد امتعاض الآخرين الذين تطمح للإثارة استجابة ما منهم، بحيث يشيحون النظر، ففي الفضاء المفتوح موادٌ أكثر متعة وتسلية.
هذا ما يحدث حين يُقدّم الكتاب كمجرد إكسسوار، أو ديكور يؤطّر المذيعة الجميلة، أو استعراض خالٍ من أيّ همّ.
بورخيس: في مديح الكتب
ـ الكتاب أهم ما ابتكره الإنسان، وهو أكثر ما يدهش، ذلك أنّ الوسائل الأخرى امتداد لجسده، فالمجهر امتدادٌ لبصره، الهاتف امتدادٌ لصوته، المحراث والسيف امتداد لذراعه، أما الكتب فهو امتداد لذاكرته ومخيّلته.
ـ إنّني أعتبر نفسي قارئاً في الأساس، وقد تجرأت، على الكتابة، وأظن أنّ ما قرأته أهم بكثير مما كتبته.
ـ كانت عند أبي مكتبة كبيرة، وكان مسموحاً لي قراءة أيّ كتاب، حتى تلك الكتب المحظورة على الأطفال، في العادة. من ذلك مثلاً كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي قرأته بكامله، وهو كتابٌ يزخر بالفواحش التي لم ألاحظ أيّاً منها في ذلك الحين، لأنّ ما كان يهمني منها حينئذ هو سحر ألف ليلة وليلة، ولقد استولى عليَّ ذلك السحر إلى حدّ أني قرأتُ البقية، دون أن أنتبه إلى أية دلالة أخرى، ولكن، مع مرور السنين، أدركتُ، أنني لم أغادر تلك المكتبة أبداً، ومازلت أواصل قراءة الكتب التي فيها.