يدافع عن الفرح في الشعر والكتابة ويلتقط تجلياته الشاعر محمّد عُضيمة: جميع نصوصي تغيظ النقد والنقاد
يمارس الشاعر محمّد عُضيمة عصياناً ضدّ الشعرية السائدة، ويشاغب، على طريقته، كمن يريد أن يخرمش وجه الذّائقة التي تربّتْ عليها أجيالٌ عديدة. فإضافة إلى رصيده الشعري المختلف، يشتغل على «ديوان الشعر العربي الجديد» الذي يكرسه للحساسيّات الجديدة في شعرنا العربي.
هو من مواليد سورية (1954)، وقد نال شهادة الدكتوراه من باريس عن أطروحته «المعراج الصوفي عند النّقّري»، ويدرّس حالياً مادة اللغة العربية في جامعة طوكيو.
إنّ وجود شاعر كمحمّد عضيمة ضروري للشّعر، والفن، والثّقافة، فمع أنّ الجميع يختلفون معه، إلا أنّهم يجمعون بأنْ لا أحد يشبهُهُ.
● «أنا السوري المغشوش، مثل زجاجة العرق الوطني». هذه عبارة شعرية لك. أحس أنها تنطوي على إحساس بالغبن.
ـ قطعاً، لا يوجد أي إحساس بالغبن، بل هناك سخرية من الوجود البشري، و ليس السوري فقط، هناك سخرية من مفهوم الأصل والأصالة. لا يوجد شيء غير مغشوش، بشكل أو بآخر، ولا يمكن أن يكون إلا هكذا، وليس لكلمة مغشوش أيّة دلالة سلبية في هذا السياق الذي استخدمه. بعبارة أخرى، لا معنى للنقاء المطلق، ولا يمكن أن تكون سورياً، أو غير سوري مئة بالمئة، فأنت خليط من أعراق عديدة، وثقافات عديدة، يعني أنت في النهاية، كائن مغشوش، ولا حصر لمرجعياتك الجينية الثقافية، التي قد تعود لملايين السنين. لذلك أعتبر إدعاء الأصالة، على جميع الأصعدة، ومهما كانت، ضرباً من التهويم الميتافيزيقي، أو نوعاً من الاجترار اللغوي.
● أنت تسافر دائماً، بماذا تشعر عندما تعود إلى دمشق في كل مرة؟
ـ عندما أعود إلى دمشق هذه العودات المنتظمة، أشعر كأني مثل سمك السردين الذي يفلت كل مرة من شباك الصيادين، ويقفز إلى مياهه، حيث كان يعيش.
● محمد عضيمة ضد الميتافيزيق. وتتهم الشعراء السوريين ـ تحت يافطة هذا النقد ـ بالتخلف.
ـ لم أستخدم إطلاقاً لفظة (متخلّف) بصدد أي شاعر، وبقيت، وماأزال، على التوصيف «ميتافيزيقي» دون أن يكون له أي حكم قيمة، مع أنني ألقي على الميتافيزيقيا، وأنظمة إنتاجها المعرفية جميع أسباب الأزمة في مجتمعاتنا. نحن جميعاً، شعراء وغير شعراء، ضحايا التفكير الميتافيزيقي، الماورائي، الغيبي، وضحايا لكل ما يتفرع عنه من عقائد إيديولوجية، تصف نفسها، كالدين، بالشمولية والأممية، طمعاً بالوصول إلى الخلاص، وهي، في الواقع، تقمع بتفكيرها الشمولي كما يقع الدين أو الميتافيزيق.
● أنت شاعر مرح، وتضحك دائماً على خلاف الصورة المعروفة عن (الشاعر الحزين)، ومع ذلك ذهب لقب الشاعر السعيد لمنذر مصري. أليس ترى التباساً في ذلك؟
ـ مرة أخرى نعودللتصنيفات الثنائية القائمة على التفكير الميتافيزيقي: خير وشر، أبيض وأسود، حزين وسعيد. لقد دافعت عن الفرح في الشعر والكتابة، وضرورة التقاط تجلياته في حياتنا اليومية. لأنه، بالتحديد، آفل وسريع الزوال. وهو دائماً في ريعان الصبا لا يشيخ. أحياناً يكون (الفرح) على شكل صمت، وأحياناً على شكل ضحكة عالية. وأحياناً أخرى على شكل حزن، لكنه الحزن الساخر العبثي غير الجدّي: يحدث أن تفرح لأنك حزين، والعكس صحيح. مفهوم الفرح والسعادة لا يلتقي أبداً مع مفهوم الدين والأحزاب. بهاتين الكلمتين، حيث تكون المرجعية سماوية، أو تنظيرية ديماغوجية، تجعل من الفرح حالة نهائية، حالة أبدية: الجنة. وحكاياتها في الدين، أو القومية والأممية وحكاياتها في الأحزاب. لا أعرف بالضبط متى بدأتُ ببلورة هذه الأفكار، والدفاع عنها في مجال الإبداع، ولا أعرف إذا كان الصديق منذر مصري شاعراً سعيداً أو حزيناً، لكني أحب ابتسامته الوديعة، ولهجته الساحلية دون أي التباس.
● لدي شعور بأنك تكتب شعرك، لتغيظ الشعراء الآخرين، لا لتعبر عن ذاتك، إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الكلام صحيحاً؟
ـ كل جديد هو رياح تزوبع فوق المياه الراكدة. هو نافذة تطل منها الشمس، هو ـ بعبارة هذا السؤال وهذا الشعور ـ إغاظة. لأن النائم تغيظه الشمس، أو الرياح، إذ توقظه، ولا يرى فيهما نفسه، وهو المسترخي في مستنقع الكسل. بهذا المعنى يبدو شعورك صحيحاً. وبهذا المعنى أعبر عن ذاتي تماماً: جميع نصوصي تثير، تغيظ، تخربط النقد والنقاد لأنها تلك الرياح، وتلك النافذة التي أجد فيها ذاتي كاملة الأوصاف بكل تواضع.
■ حوار: قيس مصطفى