فضائيات.. ظواهر عكس التيار.. «شاعر المليون».. «هموم متحركة»..
نجحت الكثير من الفضائيات بسلسلة برامجها المتنوعة في جذب واستقطاب أكبر عدد من الجمهور للعبة المتابعة التلفزيونية المفتقرة في أغلبها للقيمة الفنية الإبداعية، وراحت تطالعنا كل يوم ثلة من البرامج المتشابهة بنمطها الاستهلاكي والاستثماري الذي أصبح التصويت فيها هو النجم الأكثر شعبية بين نجوم العرب، ومن دون منازع.
فمع غياب التأثير الفاعل للمواطن العربي في لعبة التصويت السياسي والاجتماعي لتحديد مصيره، وخاصة في انتخاب ممثليه لـ(مجالس الشعب والأمة)، غدا الفن والفنانون الجدد هم الممثلون المفترضون له، ولواقع وهمي يطرح نفسه كبديل لواقع فعلي يُفرض علينا في حياتنا التي تصحو وتنام على وقع ونغم المتغيرات والمتفجرات السياسية. والسؤال المفترض: هل أصبح كل ما نتلقاه يندرج فقط ضمن منظور الترغيب والتغييب للمتلقي العربي المغيب أصلاً عن الحالة النقدية المفترضة؟ ليكتفي بتقييم نوعية وقيمة تلك البرامج الفضائية المتنوعة من مسابقات فنية، فيديو كليب، وأفلام متحركة؟؟ فالحالة النقدية لقيمة وسوية ما تقدمه الفضائيات أصبحت من الضرورة بمكان للمساهمة برفع سوية ما يقدم ويعرض علينا يوميا وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة.
هل باستطاعتنا التقييم، أم أننا ذوبنا في الصورة الرقمية للديجتال، وأصبحنا فرائس سهلة لكل ما يعرض علينا دون أي منظور نقدي؟!!
في غمرة المتابعة والمشاهدة التلفزيونية، قد يلفتنا ما هو مختلف في القيمة وفي الشكل من برامج المسابقات التي تنأى عن مبدأ الترويج والاستثمار، كبرنامج مسابقات «شاعر المليون» الذي تعرضه قناة أبو ظبي الفضائية، حيث ينأى هذا البرنامج عن تكريس ما دأبت عليه العديد من برامج المسابقات الفنية، ويقف على نقيض ما تعرضه المسابقات، فيهتم بإنجاز مكانة للشعر والكلمة التي أضحت في منافسة دائمة مع الصورة، التي تشكل جزءا من موروث ثقافتنا العربية. يستعيد «شاعر المليون» الاهتمام بالذائقة الشعرية عبر منافسة إبداعية بين مجموعة من الشعراء المتسابقين، وعبر تحليل نقدي للقصيدة النبطية (شعر شعبي خليجي) الملقاة أمام جمهور عريض من المستمعين، ومن النقاد الشعريين، الأمر الذي تفتقده عدد من المسابقات الفنية التي تحاول جاهدة استنساخ تجارب مسابقات غربية وبعيدة عن مضمون ثقافتنا الأصيلة. حيث يتبدى في ملامح برنامج شاعر المليون الاهتمام بالكلمة والإلقاء والحضور الشعري المتميز، فيفوز الأميز والأفضل شعريا بتقييم الجمهور والنقاد، مما يترك الباب مفتوحا لأفق برنامج شعري يؤثر ويعمل على تشجيع الإبداع الشعري الذي قد يمتد ليشمل أنواعاً شعرية مختلفة وشعراء جدداً من الوطن العربي، تحفز بدورها جيل الشباب للاهتمام الجدي بالشعر الذي يطور من الحالة الذهنية للشباب الذين ابتعدوا وغيبوا عن الكثير من الحالات الإبداعية.
انتهت حلقات برنامج شاعر المليون بفوز الشاعر القطري محمد بن فطيس المري بجائزة المليون التي قدم نصفها لذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء وطنه، والنصف الآخر لأطفال فلسطين، عَبر فيها الشاعر الفائز عن مبادرة أنيقة لقيمة الشعر وقيمة المسابقة، حيث الفائز هو الشعر والكلمة التي تعيد للجمهور رغبة عميقة بالكتابة الشعرية التي غيبتها الفضائيات على حساب فقاعات الصابون التي تعمي أبصارنا يوما بعد يوم. بالإضافة لعدد المحطات الفضائية المتنوعة برز العديد من المحطات المتخصصة ببرامج الأطفال وأفلام الرسوم المتحركة، التي تبرز فيها الحركة والأكشن والمغامرات والشخصيات الكرتونية التي تخلو من ملامح الشخصية الكرتونية التي سكنت ذاكراتنا كساندي بل وهايدي وسندباد وأوسكار وغيرها من الشخصيات التي عمقت الشفافية والخيال عبر قصص لطيفة تثير العاطفة الطفولية وتسمو بها نحو عالم شيق مبدع يحث على الخير والجمال. ففي الآونة الأخيرة نلحظ أنه قد ابتعد جزء كبير من أفلام الرسوم المتحركة عن مضامين الشخصيات الكرتونية الفيلمية والتي مازلنا لليوم نحتفظ بقصصها وأحداثها، يبتعد الفيلم الكرتوني اليوم عن الحدث وعن التشويق القصصي لصالح التشويق البصري والأكشن والعنف، مما يثير فينا رغبة البحث في الظواهر الفيلمية الكرتونية المختلفة.
قد تكون شخصية صبحي الكرتونية التي يعمل كادر مصممي الرسوم المتحركة في رام الله على صياغتها مثالاً مختلفاً، حيث يمثل صبحي شخصية فلسطينية تتنقل من مهنة لأخرى، نتعرف من خلالها على ملامح واقع المعاناة الفلسطينية، فسائق التاكسي «صبحي» يقف مرارا وتكراراً أمام الحواجز، ونقاط التنفتيش، تعلق «تكسيه» في حفر وأكوام الرمل، وتضعف سرعته أمام الجدار العازل الذي يفصل ويقطع مدن وبلدات فلسطين. فيغدو العمل الكرتوني لشخصية صبحي الكرتونية مثالا عن هموم متحركة، تختزل من شطحات خيال الطفل وتقربه من عالم القصص والحكايات، ولكنها ليست بالقصص ذات النهايات الجميلة، والأكشن والمغامرات الوهمية، قصص من واقع الاحتلال برؤية كرتونية كريكاتورية تنقد وتسخر من الواقع الوهمي للكبار والصغار، فنغفو ولا تغفو ثرثرات الفضائيات ليل نهار الكثير، منها ماهو مستنسخ والقليل منها ما هو مختلف ويستحق المشاهدة.