ربّما! الرواة السّريون

الذين يحترفون قصّ القصص، وكأنّما الأمر وظيفة جسميّة، تتمّ بتلقائية كالنظر والتنفس، هم الصناع الحقيقيون للبهجة.

هؤلاء من نفس سلالة من صنعوا «ألف ليلة وليلة»، أو من تخيلوا البدايات الأولى للعالم على شكل حكايات، السلالة التي لا همّ لها إلا تجميل الحياة، ما أمكن، بالسرد، حتى إنه ليخيل إلينا أنهم اخترعوها.

في محيط كل منّا حكّاءٌ ما، يعود عبرَ شجرة نسب مجهولة إلى الجدة العظيمة شهرزاد. ولو قمنا بفحص سريع لوجدنا أنّ الكثير مما نرويه، ونحكي عنه، إنّما أخذناه عن ذلك الشخص، إمّا اختلاساً، فلا نجرؤ على التفوّه بحرف أثناء وجوده، وإمّا محاكاة لطرائقه السردية، فلا نحدّث إلا على ضوء منهجه في الاستيلاء على قلوب السامعين.

ليس الحكواتي بذلك الجالس في صدر المقهى، يقصّ سير الأبطال الشعبيين وعيونه على جيوبنا. الحكواتي الحقيقي هو ذلك الذي يجعل من أيّ شخص بطلاً، شارك في المعارك، أو ظل في بيته، وهو أيضاً، من يمتلك، بالفطرة، مزية التأليف المرتجل، ففي غمرة انهماكه، بين جمهوره، في حكاية ما، يشغّل ماكينة خياله لإكسائها حلّة جديدة، مستخدماً ذات التقنيات التي يستخدمها الكاتب من وصف، وحوار، وقطع ووصل، واستطرادات...الخ، على أنّه يفكّر بالآخر، جليسه، مهموماً بمزاجه وانطباعاته، أكثر ممّا يفكر بذاته، كما يفعل الكتاب.

حسب عرف أولاء الرواة لكل شيء حكاية، ولديهم حكاية عن كل شيء، وكأنما الحكاية هي كلّ شيء.

وبحسبهم، أيضاً، الحكاية أكبر من كونها مروية، وأكبر من كونها مكتوبة، هي تاريخ وحياة وأحلام وحقيقة، فبالحكاية، وفي الحكاية، ومن الحكاية، نولد ونحيا ونموت، ولا شيء يثبت أنّنا كنّا هنا، غير ما نأتمن ضمير الزمن عليه من حكايات، تكثّف هذه الأعمار القليلة والسريعة، وتكثّفنا في كلمات يقولها واحدٌ لآخر ويمضيان، بدورهما، ليصيرا، عما قليل، كلمات تروى..

■  رائد وحش

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الثلاثاء, 20 أيلول/سبتمبر 2016 13:14