سينما الفلسطيني إيليا سليمان: مدونات بصرية لحياة معطوبة
تحتاج أفلام المخرج الفلسطيني إيليا سليمان إلى مشاهدة خاصة، تدقق في مفرداتها، وتتسرب في نسيجها الشعري، فأسلوبه البطيء، وسرده المتشظي، وغياب الشخصية المركزية، تجعل عملية التلقي في غاية الصعوبة.
في رصيده أفلام تسجيلية وروائية، طويلة وقصيرة، ولعلّ فيلمه «يد إلهية» الذي حاز على جازة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان، ذروة إبداعه الفنية، حيث استجمع فيه خلاصات أسلوبه وتقنياته، ففي ذلك العمل تتلاقى ثيماته كلها: الألم، الانتظار، الحبّ، الحياة اليومية، الغضب،..
يتوزع السرد الفيلمي على عناوين «يوميات الحب والألم» و«حاجز الرام» و«أنا مجنون علشان بحبك»... وتحت تلك العناوين ترصد الكاميرا تفاصيل الحياة المحاصرة والمحتدمة، خاصة في أجواء الحي، حيث يلقي أحدهم القمامة على منزل جيرانه، أو أن يحتشد الناس، من كل حدب وصوب، تقتل أفعى صغيرة، لا يحتاج أمرها إلى كل هذا الجهد، وعلى التوازي مع ذلك يغيب الحوار بين الشخصيات، وإن وجد فهو مجتزأ، في إشارة إلى انعدام التواصل. والصورة ثابتة، على الدوام، لا تتحرك، كأنها الزمن الذي لا يتغير إيقاعه.
تتميز سينما إيليا سليمان بالإشارة والإلماح، وغياب التتابع، فالمشهد بنية حدّ ذاته، بشكل يشبه قراءة ذلك النوع من الكتب التي نستطيع البدء بقراءتها من أيّ مكانٍ. فالزمن الأفقي الذي بلا ملامح، حيثما بدأت معه، بإمكانك الإمساك بالخيط الذي يأخذك إلى بقية الخيوط الدرامية. هذا الزمن المحايد، ذو العلاقة العضوية مع الزمن الفلسطيني تحت الاحتلال، متوقف، أو على وشك، لا شيء يعينه ويحدده، حتى ذلك التتابع الوهمي بين الليل والنهار. هكذا تتدفق الصور بلا ترابط: مرضى يغادرون غرف العناية الفائقة للتدخين في ممرات المشفى. لقاء حبيبين عند الحاجز. حبّة مشمش تفجّر دبابة. جندي إسرائيلي سكران يتحكم بحركة السير. فتاة جميلة تدمّر بعبورها الأنثوي الباهر حاجزاً مدججاً بالرشاشات والدشم.
وإن كان «يد إلهية» قد لاقى كل ذلك التكريم، فقد صنع سليمان قبله «سجل اختفاء» وهو فيلم يبحث عن اختفاء الفرح والتلقائية في حياة الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء. قدم سليمان أفلاماً روائية قصيرة، وأخرى تسجيلية، مثل «سايبر فلسطين» و«الحلم العربي»، وقد وصل إلى الذروة الأسلوبية في «يد إلهية». لكنه فيه، وقبله، كل يكتب تاريخاً مضاداً بالصور..