مختارات صور الشاعر

هناك أكثر من صورة للشاعر في تراثنا: صورة المادح الذي جعل من الشعر حانوتاً يدور به على طالبي المديح، وهي الصورة الغالبة التي استمرت زمناً طويلاً، نتيجة تعقد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وصورة الشاعر اللاهي الذي يغنم من الحاضر لذّاته، دون أن يعبأ بشيء بعد هذه اللذات، احتجاجاً على فساد حاضره السياسي الاجتماعي، أو احتجاجاً وجودياً على الموت.

وصورة الشاعر الصّانع الذي يرى في كمال إبداعه، أو إحكام صنعته غاية مستقلةً عن كل غاية، وصورة الشاعر الداعية الذي يوظف كل شعره في خدمة اعتقادٍ أعم منه، بالمعنى الديني أو السياسي أو الاجتماعي، على النحو الذي يضع المحتوى الاعتقادي في صدارة النظم الذي يصوغه ذلك الشاعر لإيقاع التصديق بما يدعو إليه.

قد تغلب صورة، من هذه الصور، في عصر، دون عصر، لأسباب يمكن تحديدها، وقد تتجاوز أكثر من صورة في عصر آخر لأسباب مغايرة. ولكن تظل كل هذه الصور بمنزلة نماذج متغيرة، لاحقة، متأخرة نسبياً بالقياس إلى النموذج الأصلي الأقدم الذي بدأ به الوعي بالشعر والشاعر عند العرب، وظل يعود إليه كل تفكير في الشعر والشاعر في متواليات تعدد الآراء، وتغير الاتجاهات، واختلاف العصور، و تجدد الوظائف.. هذا النموذج الأصلي هو نموذج الشاعر العارف بكل شيء، القادر على كل شيء.

■ د. جابر عصفور

«غواية التراث»

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 11:58