«الســـقافيون» الجدد..
ملتصقون بمؤخرة الثقافة، نحفظ شعراً حديثاً مفهوماً من الجميع إلا مبدعه، نتجرأ بعد وقت ليس بطويل ونرصف كلمات مشابهة متشابهة متلاصقة، بأماكن متغيرة، مبدعين ما يشبه القصيدة، نتقن مصطلحات مستعصية على فهم الحاضرين في جمل غالباً غير مفيدة، فيها... الإرهاصات والقلق الوجودي والديماغوجية واللبيرالية والسسيولوجية.. مذكرة حيناً ومؤنثة.
نحدث خرقاً في مصطلحات اللغة لإغناء العربية، ونردد بإصرار حداثي, حداثوي, وحداثوية وإحداثوي وإحداثووووية... و...
نؤسس لأوهام فكرية جوفاء عادة، تهدف إلى فكر متنور يصبح مخصياً بفعل تدخل الماضي وتراكماته، والمحصلة نسف لقواعد الغد والأمس.
نختلف مع الحاضرين، نتفق مع الحاضرين، ولم نعد نتعارك كما الماضي، فموضة الديمقراطية تستهوينا، تخيم فوق رؤوسنا، تفرض بسطوتها الاستماع إلى الآخر، ولو أخطأ بأبسط البديهيات المتداولة، فطقوسها تفرض عدم الاختلاف مع محاور مسقف إذا ما وقع في خطأ فاضح، لأنه حر، والحرية مكون رئيسي وسند لا غنى عنه من أسس الديمقراطية الجديدة، ورأي كهذا يخالف قواعدها ويوقعنا في فخ مصادرة الآخر ورأيه، ففي زمن الديمقراطية البلهاء، والحريات المشوهة، حق لإنسانها بإبداء رأي ولو كان في لون ماء البحر المشتق من زرقة السماء.
نتقن الـ Sorry والـ Already والـ Pleeease في كل نصف جملة، لنكون مطابقين لمواصفات إنسان موديله 2007، ملمين بميزاته الـ Full Option..
نعطي رأياً بأدونيس ولم نقرأ له سطراً، نختلف مع حنا مينه عبر الأثير ولم نلتقه يوماً، نجتمع على هيفانا البلهاء.
نقول في سرنا في لحظة ضمير: سعيد ذاك العتيق إذ لم يلتق بصاحب ديوان أو رواية يمكن أن تهز كيانه الأصيل. محظوظ ذاك الكبير إذ لم نصدمه بقراءات اختراعاتنا المترهلة الفاقدة لأبسط بديهيات الإبداع...
ونقول في صحوة ضمير: سيئة الحظ تلك الرشيقة في الوسط السقافي، تخيلته مثالياً، فكانت ضحية الكازانوفات المسقفين المُشكلين...
نتناقض مع ذاتنا، ونحتمل سليم وزاهر ومعين المحسوبين على الطبقة «البلورتارية» المتحكمين في قيادة طاولاتها، وركابها المتجددين في فضاء الروضة، ونحتمل ونحتمل ونحتمل إنسانيتهم المتواطئة مع الإكرامية. نتعامل معهم ونطلب ودهم ليرضوا بالحد الأدنى منها، فهم محقون في طلبها، يفرضون عليك دفعها، لأنهم سادة هذا الزمان وأصحاب القرار في الرفض والقبول لطلبات المستجدين الطامحين للالتصاق بالمكان، والمتقدمين برجاء إلى التجمع العتيد...
بصمت مهيب وبرضا الجميع، يحدث كل هذا في الركن المرتفع من مقهى الروضة العتيق بتاريخه العريق، تحت سقفها، وبين جدرانها، وأمام أمام أعين أركانها...