البوسطة.. رحلة في ذاكرة لبنان
البوسطة التي كانت الشرارة الأولى للحرب اللبنانية عندما أقدم مسلحون من حزب الكتائب اللبناني بإطلاق النار على حافلة، كانت تنقل فلسطينين عائدين من مهرجان في تل الزعتر عام 1975م.
هذه البوسطة حولها فيليب عرقتنجي إلى فيلم، من تأليفه وإخراجه. للوهلة الأولى يبدو لك أن الفيلم يتحدث عن تلك المرحلة كما يوحي اسمه، لكن المخرج اكتفى باختيار الاسم وبعض المشاهد التي تدل على ذلك، ليشتغل على الصراع القائم في لبنان، صراع الجيل الجديد المصر على تناسي الماضي، والحرب المريرة، ونكبة الحياة الطائفية، وبين أنصار الاتجاه الآخر.
فالشاب كمال الذي عاد من فرنسا بعد 15 عاماً من السفر، عمل على أحياء فرقة الدبكة التي أسسها والده ــ وشتتها سنوات الحرب ــ فيحاول بناءها من جديد، ويبدأ بالعمل على نوع جديد من الموسيقا، عن طريق دمج الموسيقا العربية مع الغربية أو كما سميت ((الدبكة التكنو)).
يتمثل الماضويون بلجنة الدبكة اللبنانية التي ترفض العرض الذي قدمه كمال وأصدقاؤه، وتتهمهم بمحاولة تشويه ما تبقى في لبنان من تراث، وهنا تبدأ رحلة التحدي التي تدخلها الفرقة، من خلال تنقلها بين مدينة وأخرى لتقديم اقتراحاتهم الجديدة في عروض شعبية تنهل من منجزات الحداثة الفنية، وتستفيد من الفنون الأخرى، فتبرز للمشاهد الصورة الحقيقية لأعضاء الفرقة ، فهناك من يرقص لأجل نسيان الماضي، ومن يرقص لأجل الحاضر. عليا ترقص لأجل حبها الذي نما مع كمال خلال سنوات الحرب وبعدها.
ويبرز الفيلم أيضاً الاستغلال الإعلامي والفساد السياسي ، وتظهر الحياة اليومية في لبنان من خلال بعض الشتائم التي أدخلت على النص، ليكون الفيلم ناطقاً بلسان المجتمع اللبناني كاملاً.
البوسطة فيلم يحاول تناسي ما مرّ بلبنان ،هو اختصار لقصة أصدقاء يحاولون أن يتناسوا الزمن المؤلم، ويبدؤوا من جديد.
إنها مأساة جيل استيقظ ذات يوم فوجد نفسه يخوض حرباً لا علاقة له بها، وجيل ولد في زمن الحرب وكبر خلالها، وجمالية الفيلم في أنه لا يتحدث عن الحرب وأسبابها، وإنما عن الجيل الذي يحاول حرق ما مضى وانقضى، من أجل الانتقال إلى حاضر خال من حروب لا علاقة لهم بها، وحين تقع يكونون أول الضحايا.