بعيداً عن العاصمة.. عيون تحلق في سماء الطموح..
كلما تذكرت جملة كازنتزاكي المتعلقة بالشباب «أن تكون شاباً يعني أن تتعهد بإخفاء العالم وأن تكون لديك وقاحة الرغبة في إقامة عالم جديد وأفضل مكانة»، شعرت بتلك الطاقات الهائلة لدى الشباب السوري، لا سيما البعيد عن العاصمة، طاقات فنية رغم كل شيء تثبت مقدراتها وحضورها.. وإذا كان الطريق سالكاً بسهولة لدى البعض فإنه سالك بصعوبة.. في مناخ فني معاييره الأخلاقية متبدلة على الدوام، ويبدو فيه الاقتحام العملي قريباً من فعل المغامرة..
«إيناس زريق» ممثلة انتسبت إلى نقابة الفنانين منذ حوالي عام.. وتمكنت خلال سنوات قليلة (عشر سنوات) من الحصول على عدة جوائز مسرحية، ففي عام 1997، حصلت على جائزة نقابة الفنانين في حماه، عن دورها في مسرحية المحطة التالية، إخراج سليمان السلوم.. وخلال عام واحد شاركت فيه بعرض مسرحي هو «اللص الشريف» إخراج مولود داوود. حصلت على ثلاث جوائز (أفضل ممثلة) في عروض متتالية للمسرحية ذاتها.
وأذكر أن المخرج نبيل شمس قد منحها أكثر من مرة، وذلك منذ مشاركتها الأولى معه في عمل للأطفال حمل عنوان «تنورة للعصفورة» تملك إيناس طاقة تمثيلية هائلة، و استطاع المخرج مولود داود من توليد مساحات جديدة داخل طاقتها الخام.. ولكن الابتعاد عن العاصمة يبدو عائقاً أمام الانتشار وتحقيق الحلم.. وتبدو متشائمة قليلاً من هذا الأمر،
التقيتها مرات ومرات في منزل أهلها في سلمية.. وتعرّفت على بعض معاناتها.. فهي فتاة في عمر العشرين و تدرس الأدب العربي في جامعة البعث.. حدثتني عن المستقبل وإمكانياتها التي تنتظر التحقق.. طبعاً هي سعيدة إلى حد ما بما حققته مسرحياً.
ومؤخراً شاركت في مسلسل «جريمة بلا نهاية» إخراج نبيل شمس. لكن هذه السعادة تنتظر آفاقاً إضافية.
فدراسة الأدب العربي مفيدة أكاديمياً ومعرفياً لكن التمثيل عندها ينبض بالروح في كل ثانية». مع ذلك أصرُّ على أن الإجازة الجامعية ضرورة اجتماعية ونفسية في هذا الزمان» وهي توافقني جزئياً.
أهم ميزة شخصية تتمتع بها إيناس هي قدرتها على الإصغاء والتعلم من كل الملاحظات المقدمة لها على صعيد التمثيل.. فهي من جيل فتي في روحه وطباعه.. ولم أقرأ عندها أشياء من أي نقد مسرحي موجه لأدوارها، لكنها تكره التجريح والنقد البعيد عن المنطق والمحلق في الخيال..
ينتقل الحديث بيني وبينها إلى مساحة التفاؤل الممكنة في الحياة.. وإمكانية المتابعة الصبورة في عالم التمثيل.. لكن الجغرافيا تأتي مرة أخرى لتكون فسحة للتشاؤم، وأقصد هو عيشها في سلمية بينما المستقبل تراه في دمشق العاصمة..
بالتأكيد ليست إيناس وحيدة في مدينة تضج بالطاقات المبدعة.. وهي الآن في مرحلة التأسيس الأولى.. وأملها أن يتخلص الوسط الفني من تلك النفوس المريضة التي تعتقد أن كل شيء متاح أمامها... فالشباب هم وقود الحياة ودافعها نحو التجدد..
إيناس زريق.. نقول لك انظري: عالياً نحو السماء وراقبي الغيوم والطيور فالكبار المبدعون لا ينظرون لتوافه الحياة وعيونهم معلقة دائماً نحو الفضاءات والأحلام الكبرى..