صفر بالسلوك عندما فزت بجائزة نوبل
كان موبايلي مقطوعاً بسبب فاتورة مستحقة، وكنت أمشي في شارع الحمراء بدمشق معانقاً فتاة مأخوذة بي بدون سبب، عندما جاء صديق لي وصرخ (لقمان ديركي.. أنت أخذت نوبل اليوم)، لم أصرخ به كما فعل شولوخوف عندما أبلغه أحدهم خبر فوزه بنوبل وهو يصيد السمك، (أخفض صوتك لقد أفزعت السمكة)، لأن السمكة التي كانت معي هربت خائفة وهي تعتقد أنني سرقت شيئاً اسمه (نوبل) وأن الذي أبلغني الخبر جاء ليقبض علي.
بعد لحظات رن موبايلي المقطوع وحكت معي فتاة من شركة الموبايل الحاكمة (أستاذ لقمان لقد فزت بنوبل، لذلك أعدنا موبايلك إلى الخدمة لأنك ستتلقى مكالمات تهنئة، ولكن عليك أن تسدد الفاتورة فور عودتك من السويد)، وخلال ثانية بدأت الاتصالات من قبل الدائنين وهم يباركون لي ويتمنون ألا أنساهم عند عودتي من السويد، ثم اتصل أشباه الأصدقاء وبعض الشعراء والوزراء والرؤساء والملوك وقالوا لي جميعاً (أنني ثروة وطنية)، وبالمقابل اتصل المشردون من تليفونات أناس يطلبون منهم نقوداً، وطلبوا مني أن أسدد ديونهم وأتحدث مع الدائنين شخصياً، وبالطبع تلقيت اتصالات من كل الفتيات اللواتي أحببتهن أو تزوجتهن وكانت كل واحدة منهن تذكرني كيف كانت ملهمتي في يوم من الأيام.
أما أنا فلم أكن سعيداً، لأنني لم أحقق حلمي الدائم وهو أن أكون الثاني لا الأول، دائماً كنت أشعر بشعور عادي تجاه بطل الفيلم لأن الأشياء ترتب له كي ينتصر في النهاية، فهو الذي سيقضي على الأعداء، وهو الذي سينقذ المساكين ويحظى بالحبيبة في النهاية دون أية مغامرة درامية زائدة باستثناء بعض الجروح والخدوش التي لا بد منها في سياق درامي مكشوف، وبالمقابل كنت أحب صديق البطل، أو البطل الثاني، فهو الذي يصعب التكهن بنهايته الدرامية، إنه ـ أي الثاني ـ مغامرة درامية مفتوحة على نهايات كثيرة، فمن الممكن أن يسقط قتيلاً قبل النهاية بقليل دفاعاً عن البطل، أو أن يكتشف البطل خيانته قبل النهاية بقليل أيضاً، أو أن يرحل إلى مصير مجهول تاركاً البطل يحتضن حبيبته بأمان، أو أن يوصل البطل وحبيبته إلى بر الأمان ثم يختفي من الكادر بقدرة قادر، بل لا يكون دائما متشكلا من الخير فقط ، فمن الممكن ان يكون شريرا ايضا ، وفي الغالب يكون خفيف الظل عكس البطل الذي لا يظهر خفة الظل كي لا تذهب هيبته.
وهكذا فقد اعتبرتُ أن اللجنة لم تنصفني عندما جعلت مني الأول، ما الذي كانوا سيخسرونه لو أنهم أعطوا الجائزة قبلي إلى شيركوه بيكه س كي تكتب الجرائد (لقمان ديركي ثاني كردي يفوز بنوبل بعد بيكه س) أو لسليم بركات كي يقولوا عني (ثاني كردي سوري يفوز بنوبل) أو لنزيه أبو عفش فأصبح (ثاني شاعر سوري يفوز بنوبل) أو لسعدي يوسف فأكون (ثاني شاعر عربي يفوز بنوبل)، بل ويمكنهم أن يعطوها لهالا محمد أو لينا الطيبي أو مرام مصري كي يقولوا (إن المرأة السورية أفضل من الرجل السوري بما لا يقاس).