أن يكون قصيدة!
كيف يحضر الشعر بكل هذا الاستبداد المدهش دفعة واحدة في هذا التيه المزمن؟
كيف استطاع ويستطيع ذلك الهارب من زحمة الاعتبارات القديمة والمستحدثة، حاملاً تفاصيل دروب الرعاة القدامى، ولغة الوعول البرية، وهمسات النجوم، ووشوشات الجان، وضجيج الغيوم الشباطية، أن ينفد إلى حالة الإفراط المستدام في البوح؟
ألم ينتبه لضوضاء الخراب العصري الممنهج للغة، والفلسفة، والمواقف السريعة العابرة، والأوعية الحاضنة؟
ألم ير موكب الآلهة يفر من ترهات الأكوان، ليدخل في غياهب الغياب؟ ألم يشم رائحة السوائل الجديدة التي طغت على وجع الماء والزيت والخمور المقدسة؟ ألم يصم روحه صخب المتحضرين الجدد بعوالمهم الرقمية وأحلامهم النيترونية وأذرعهم الفولاذية التي تمتد إلى أبعد من طرق الحرير ودرب التبانة؟؟
يا لسليم بركات! ذلك الحاضر في منمنمات الذات الحية.. في صهيل اللحظة.. في قبرات الكلام البسيط والصراخ الجامح..
ما يزال الإنسان موجوداً، حتى وإن كان مغيباً عن الفعل والحس وإدراك ضروراته البدائية، حتى لو كان يتيه في الإسفلت وبين ناطحات النجوم، وذات نهار ليس ببعيد، سيصحو على وقع القصب ورائحة التفاح العنيدة، وسيحاول أن يجد الطريق إلى قرى النمل في التلال الصغيرة على أطراف البيادر، وسينصت مجدداً إلى حوارات المشهد البري عند حافة الزمن... ولكن ترى هل سيتمكن من مغالبة أوهامه الشرسة التي ستعاود غزو رقاده في الليالي الحارة، وهل ستبقى هناك بعض فرصة للغناء؟؟
■ جهاد أسعد محمد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.