العرض الإيمائي «نشاز»: حين تكون حياتنا الطبيعية خطراً على الآخر
عمل فريق «نشاز» كورشة جماعية، تقاسمت الأدوار. فقد كتب النص ثائر العكل، وعمل على إخراجه وساهم في التمثيل رأفت الزاقوت، وصمّم الإيماء والرّقصات، كما ساهم في التمثيل مازن منى، وجاءت مجد نعيم لتكمل قوس الدائرة بحضورها الأنثويّ، الضروري والحيوي معاً.
يتناول «نشاز» فكرة العلاقة مع الآخر، بشكلها الأكثر بساطة، من خلال جارين متناقضين، ليذهب إلى ما هو أبعد، وأعمق، في شبكة العلاقات الإنسانية المتشعبة طبائعَ وأمزجةً وطرائق عيش، يتعذر إحكام القبض عليها، وهنا المحكّ. لكنّ إيجاد المؤلف لجارين متناقضين، كل منهما يمثل كركتراً نمطياًَ، فالأول منظم جداً (رأفت الزاقوت)، والثاني فوضوي جداً (مازن منى)، جعل الفكرة تنقاد بسلاسة، وبدون تعقيدات. فحيث يمارس كلٌّ منهما حياته الطبيعية العادية، على مزاجه، سيتضرر الآخر، من حيث لا يدري الأول، لأنّ جاراً يقيس حياته بالمسطرة، لن يكون بمقدوره احتمال الضجيج الذي يهدد وجوده، حين يكون الآخر، المختلف، المغاير، ممارساً شؤونه اليومية بما يتناسب وطبعه الصاخب. والأنكى، في هذا التنافر، أنه سوف يزداد، ويطرد، ويتوتر، حيث تأتي للسكن فتاة جميلة (مجد نعيم)، لأنّ المنظم ونده الفوضوي سيتصارعان للفوز بحبها.
سيكون التنافس محموماً، ومصيرياً، بين الجارين، و ستزداد وتيرته حين تتعامل الفتاة الجميلة مع الاثنين بنفس المودة، فهي جارة متصالحة مع نفسها، و تحب الأصدقاء، فتذهب مع المنظم إلى السينما، ولا ترد دعوة الفوضوي إلى الديسكو، ولأن كلاً من العاشقين الواهمين عقد قلبه عليها. وبات يراقب تحركاتها، ستكون الطامة في رؤية كلّ منهما لها مع نده، وهكذا ستأخذ الحالة الدرامية بعداً نفسياً، أكثر ما تتجلّى آثاره في الدخول إلى أحلام هاتين الشخصيتين، وسيصلان على تناقضهما إلى نفس النتيجة، وهي ضرورة تخلّص الشخص من الآخر الذي صار شبحاً يداهم المنامات، ويقلقل الراحة والهناء النفسي.
الصراعات لا توصل إلى تصفية نهائية، ومرة أخرى، يصلان إلى نفس النتيجة، وهي الظنّ بأنّ الفتاة الجميلة تحب نمط حياة الآخر، أسلوبه الشخصيّ الذي يتبناه في العيش، وهكذا سوف يخلعان ثيابهما، أعني هوياتهما، وسيلبس كلٌّ منهما الآخر، لظنهما أنّه الخلاص، فيصبح المنظم فوضوياً، والفوضوي منظماً. ويا لها من أزمة تتجاوز إطار الأشخاص لتصل إلى أزمات مجتمعات كاملة، تظن واهمةً أن الحقيقة، إنما تكمن في شكل الآخر و مظهره.
الفتاة الجميلة سترحل كما جاءت، وستبقى الحالة الصراعية مفتوحةً على المنصة من نشاز حياة الآخر الذي يرى حياتنا، بل ووجودنا، نشازاً بنشاز.
يقول مؤلف النص ثائر العكل: «ميزة هذا العمل في اعتماده على حكاية كاملة، على خلاف الأعمال الإيمائية التي سبق تقديمها، والتي كانت تأخذ شكل اسكتشات، ولعله الوحيد الذي نحا هذا المنحى بعد عرض (غفوة) الذي قدم منذ سنتين».
جاء تصميم الإيماء من داخل بنية النص، عاملاً على تعزيز التناقض، والمبالغة في الفعل، ليثبت الفكرة الأساسية في أزمة الأنا والآخر، الذات والموضوع، الداخلي والخارجي. وعن طريقة تعامله مع النص. يقول مصمم الإيماء مازن منى «وضعت نواة درامية أولى لرسم حركات ورقصات كل من الشخصيتين، فالفوضوي انطلقت به من شخصية جيمس بوند، ومن ثم جعلت النواة تنمو وتكبر، ليأخذ سماته الخاصة، أما المنظم فانطلقت به من شخصية شهريار، ثم صعدته، وأخذت بتطوير الإيقاع، موسعاًَ البيكار، بما يتناسب مع الخط الدرامي العام».
مجد نعيم، المغرمة بهذا النّوع المسرحي، تقول: «كان العمل اختباراً للتنقل بين جوين، فمرة كنت أقدم رقصات غربية مع الفوضوي، وأخرى رقصاً شرقياً مع المنظم، وفي الاثنتين كنت على وفاق مع الحالة ومع نفسي».
«نشاز» اقتراح شبابي، يحمل لغته التي تبتعد عن مشاكل المسرح المحليّ المعروفة. وعلى العموم، التجارب الجديدة هي المخولة بضخ الدم فيه، وإعادة ألقه، بمثل الجدية التي يتحدث بها مخرج العمل رأفت الزاقوت: «لم يظهر على الخشبة أيّ تفصيل إلا وكان مدروساً، ورغم كل الصعوبات التي واجهتنا، لم نكن نرمي إلا لجعلها طريقاً للوصول إلى المتعة».