الفنان السوري دياب مشهور: أنفقت كل ما أملك على الأغنية السورية ولم ألق حمداً ولا شكوراً

هل سمع أحدٌ من شباب اليوم باسم دياب مشهور؟ على الأغلب لا...، لكنه، في زمن مضى، كان علماً في رأسه نار، وكانت أغانيه «يابو ردين يا برودانة» و«طولي يا ليلة» و«ميلي عليّ ميلي» و«يا ربابة»... الخ، تجوب الآفاق والقلوب، ويحفظها الجميع بمن في ذلك الأطفال. فجأةً وجد دياب مشهور نفسه على الهامش، وذكرى عند من يحترفون الحنين. ولأنّ الجميع تخلوا عنه، وهو الذي قدم الكثير للأغنية الفراتية السورية، قرر الاعتزال، والانسحاب بكرامة.

ولد الفنان السوري دياب مشهور عام (1946) في مدينة دير الزور، وفيها بدأ مسيرته الفنية عام (1958)، ثم انتقل إلى دمشق في (1971) وعمل في الإذاعة السورية، كما شارك مع الفنان دريد لحام في مسلسلي (صح النوم) و(ملح وسكر) حيث غنى فيها أجمل أغانيه، لتبدأ شهرته الفنية الكبيرة، والتي بسببها حمّل نفسه مسؤولية نشر الأغنية السورية عربياً وعالمياً، وعلى نفقته الخاصة. إلى أن قرر الانسحاب والاعتزال.

أغلب أغنياته من فلكلور الفرات السوري، ومن ألحانه وكلماته، مع أنّه أمي تماماً، وكل حيلته الذاكرة والسمع.

1 ـ ما السبب الكامن وراء قرارك بالاعتزال؟

ذات يوم جاءني ثلاثة، وهم: صوتي وبصمتي ولوني، وقالوا لي: لقد أديت واجبك الفني والوطني، وها قد بدؤوا يسيئون معاملتك، الأفضل أن نخرج بشرف. أرادني (الثلاثة) أن أنسحب فانسحبت وتركت الفن، وأعلنته قراراً لا رجعة فيه، فالكرامة قبل كل شيء.

قال (الثلاثة طبعاً): نستطيع الاستمرار لعشرين سنة وأكثر، لتقدم ما تريد، ولكن ما دام هذا الجو بلا رعاية، وبلا اهتمام، فالأفضل الابتعاد عنه.

لقد قدمت الكثير، ورفعت اسم بلدي، فلماذا أعامل هكذا؟ ربما كان هذا غير مقصود، أو ربما مقصوداً لا أعرف، لكن الرعاية تجعل الفنان يستمر، ويعطي أفضل ما لديه، فالفنان نبتة تزهر بالرعاية، وتذبل مع الإهمال.

2 ـ كيف بدأت؟ ما هي مكوناتك؟ حدّثنا عن رحلتك في الفن والحياة.

بدياتي مثل بدايات الجميع، فقد أحسست في يوم من الأيام، بعد ما كنت طفلاً يغني لرفاقه أو في الأعراس، أنّ طاقتي تسمح لي بتقديم أشياء خاصة.

بدأت أفكر كيف يمكنني أن أكون فناناً، وأنا لا أعرف القراءة والكتابة، وليس لدي إلا الموهبة وحسن السمع وقوة الإحساس. فعلمني الأستاذ الكفيف يوسف جاسم المقامات الشرقية وفن الأداء، وظللت أتدرب حتى اختمر اللون الفراتي في داخلي، كما أني اختمرت فيه.

بدأت أبحث عن الأغاني القديمة، من خلال الكبار، وقد جمعت منهم الكثير، وحيث أحسست بالامتلاء، صار عندي اندفاع كبير لإخراج كنوز الفلكلور الفراتي. وهكذا كان حالي مطرباً في مدينتي، أغني ما علمتني إياه. في عام (1968) حدث في حياتي أمر هام، لعب دوراً كبيراً في تسليط الضوء علي، فقد قمتُ بتسجيل أسطوانات مع النجمة يسرا البدوية في حلب، ولأنّ ثلاثة أرباع الشعب السوري من الريف أحبوا لوني، وبدؤوا يفرقون بيني وبين يسرا البدوية، فكان أنه اشتهرت، ثم جئت دمشق عام (1969)، وبقيت ثلاث سنوات، لأدخل بعدها في الإذاعة بصفة مطرب، وانفتح الطريق أمامي، وساهمت مشاركتي في (صح النوم) و(ملح وسكر) مع الأستاذ دريد لحام في شهرتي الحقيقية.

3 ـ هل تخلّى دريد لحام عنك؟

لا.. الموضوع أنه لم يستدعني، ولم يكلفني بأي عمل، وفي ذلك الوقت كنت منشغلاً بأسفاري وحفلاتي، والأستاذ دريد يبقى صديقاً، وله الحق في أن يختار من يختار.

4 ـ كان في جعبتك مشروع لنشر الأغنية الفراتية السورية، ما الذي أعاقه؟

حيث سطع نجمي في السبعينات، قررت أن أكون سفيراً للأغنية الفراتية السورية، فحملت على عاتقي هم نشرها في العالم العربي والبلدان الأخرى، وقد تكلفت ذلك على نفقتي الخاصة دون مساعدة من أحد، إلا تشجيع الرئيس حافظ الأسد، وحتى عام (1990) كنتُ قد صرفت كل ما أملك على هذا الحلم، وفي الآخر لم أجد لا حمداً ولا شكوراً، ولا أيّ تقدير يذكر لا من وزارة الإعلام ولا من وزارة الثقافة، في الوقت الذي كان فيه الوزير السابق محمد سلمان مشغولاً بتكريم نجوى كرم وغسان صليبا، فيمنحهم المكافآت، ويقلدهم الدروع، دون أن أعرف ما علاقتهم بمشروع الفن الوطني للأغنية السورية. وكما قلتُ قررتُ الاعتزال، وتقاعدت من نقابة الفنانين، وبعت أملاكي بدير الزور، لأتدبر من خلالها شؤون معيشتي، مع راتب التقاعد الذي أتقاضاه شهرياً، وهو (11) ألف ليرة سورية.

بالمناسبة، منذ عام (1972) إلى اليوم، لم أسحب من وزارة الإعلام أكثر من (15) ألف ليرة، من أجل مشروع وطني يعني وجدان سورية على العموم.

5 ـ ألا تحس بالخسارة؟

أبداً.. أنا سعيد جداً لأني لم أتلوث، هذا تكريمي لنفسي، أما ما ضاع فلست نادماً عليه.

6 ـ ما رأيك بسرقة لحن (يا بوردين…) وتحويلها إلى أنشودة دينية هي (يا طيبة)

يسرني ذلك، ولا أسميه سرقة طالما وجد فيه كلام الله، ويسرني أن أطفالاً من أدوها.. ولكن قبل (يا طيبة) التي تشير إليها أخذت الكثير من فرق الإنشاد الديني ألحان أغنياتي وحولوها إلى أهازيج مثل (ميلي عليّ ميلي).. كل هذا يسجل لي.. لكني أحمل بعض العتب على من قدموا (يا طيبة) فقد كان من الواجب عليهم ذكري، كمصدر على الأقل..

7 ـ ما العوامل التي ساهمت في انتشار أغانيك بطول سورية وعرضها؟

بساطتها ونعومتها، وابتعادها عن التعقيد، وكذلك الألحان ذات الأساس الصادق، غير المغشوشة، ونظافة صوتي، وفطرتي التي يمكن اعتبارها أربعاً وعشرين قيراطاً.

8 ـ غنيت قائلاً: «شوفي يا عيني/ بنات بلادي إش قد حلوات/ والله اقتلوني بالنظرات وبالغمزات/ شوفي محلاهم/ كل وحدة مثل المصباح/ ضعت أنا بهواهم/ وقلبي بإيدهم طاح» سؤالي: من هؤلاء البنات؟

إنهن بنات الفرات بكل تأكيد. عندما كنت في دير الزور كنت أشارك في الحفلات الخاصة، وكانت الديريات يشجعنني أكثر من الرجال، فأخذت منهن احترام المرأة وحبها والإعجاب بها. لأؤلئك النساء كل التحية، فقد كُنَّ سميعات، واحترمن الفن والفنان، ومن أجلهن لم أغيّر ثوبي الفراتي، ومن أجلهن تعلّمت أن أحترم كل الريف السوري..

9 ـ في أغنية «عالماية عالماية» تقول في الجملة الأخيرة: (والله لا تبع أثرها/ مهما تكون النهاية»، هل هناك امرأة تبعتها للنهاية؟

هذه مجرد جملة لها علاقة بالبناء العام لكلمات الأغنية، وإن كنت تريد جواباً فهذه زوجتي، التي لا يوجد لدي سواها، وهي حكم إعدام.

■  حاوره: رائد وحش

آخر تعديل على السبت, 17 أيلول/سبتمبر 2016 13:04