مهند صلاحات مهند صلاحات

المكتبات الإلكترونية.. الفضاء الإلكتروني وحقوق النشر والتأليف

تضاربت آراء العديد من الكتّاب والمؤلفين والقراء وأصحاب دور النشر العربية على موقف محدد مما يسمى «المكتبة الإلكترونية» التي ظهرت منذ عدة سنوات، وأصبح بإمكان المتصفح للشبكة العنكبوتية أن يطلع على أي كتاب قديم أو حديث، بنسخته الإلكترونية، بمجرد الدخول إلى أحد المواقع التي تخصص صفحة من الموقع تسميه «المكتبة الإلكترونية»، فيقوم بتحميل النسخة على جهاز الكمبيوتر وتصفحها وقراءتها، فمنهم من رأى أن هذا العمل غير مشروع، وغير قانوني وهو سطو على حقوق الناشر والمؤلف الأدبية والقانونية، بينما يراه البعض الآخر كسراً لضوابط الرقابة، وإيجابيات أخرى مثل توفير تكلفة شراء الكتب المطبوعة، أو السماح للكتاب بالسفر عبر البلدان والحدود فيمكّن القارئ من الإطلاع على الكتاب الذي صدر في أي مكان بالعالم بمجرد صدوره، بالإضافة لأنهم يرون كذلك أنه يساهم في انتشار الكتاب بشكل أكبر ويزيد من عدد قرائه، بشرط المعيار القانوني للنشر.

القاصة والكاتبة بسمة فتحي التي تحفظت على إطلاق اسم «المكتبة الإلكترونية» على المواقع التي تمتلك في إحدى الصفحات كتباً إلكترونية، وأصرت على تسميتها «بمواقع سرقة الكتب»، مبررة ذلك بأننا نظلم المكتبات الإلكترونية النظامية التي (تبيع) نسخاً إلكترونية من الكتب (e-books)، أو تلك التي تتيح فرصة بيع الكتاب الورقي على الإنترنت وإيصاله للقارئ، بغض النظر عن مكان إقامته. وتقصد تلك المكتبات الإلكترونية النّظامية التي تحكمها اتفاقيات وعقود متبادلة بينها وبين دور النشر الورقية وبمباركة من الكتّاب أنفسهم.

واعتبرت هذا النوع من المواقع يعمل عمل إبرة المورفين لدى الكثير من متصفّحي الإنترنت. وذلك لما تتركه (المكتبة) من معان وآثار إيجابية فاعِلة في النفوس، مما يجعل عملية البحث عن مدى قانونية أو أخلاقية مواقع نشر الكتب يسير بشكل شبه ميّت، ففي السنوات القليلة الماضية ظهرت العشرات من مواقع سرقات الكتب، بينما لم نجد موقعاً واحداً متخصصاً لكشف خطرها وزيف إدّعائها التثقيفي.

وأضافت «فتحي»: إن البعض قد يرى أن خطر هذه المواقع قليل أو محدود إذا ما قارنّاه بخطر سرقات الكتب المتعارف عليها، وذلك بسبب قلّة عدد مستخدمي الإنترنت في الوطن العربي بشكل عام، وتالياً عدد الباحثين عن الكتب الإلكترونية بشكل خاص. وهنا الخطر الفعلي، إذ يُعَد مستخدمو الإنترنت حالياً (جيلها الأول)، ويساهم هذا الجيل بشكل كبير بتأسيس كيفية، وأساليب، وأخلاقيات استخدام الإنترنت، فحين يسمح هذا الجيل بسرقات حقوق النشر والتّصفيق لها بحجة نشر المعرفة، وإيصالها لأكبر عدد ممكن وبتكلفة مجانية. يجعل الخطر كارثياً في المستقبل، حين يتضاعف عدد مستخدمي الإنترنت. 

دور المؤسسات المعنية وتحدي النشر الإلكتروني

أما السيد أحمد اليازوري صاحب دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع وممثل وزارة الثقافة وأمانة عمان في توزيع الكتاب عالمياً، أوضح أن للمكتبات الإلكترونية دوراً إيجابياً وفاعلاً إذا ما تم بشكل قانوني تجاري، بإفساح المجال أمام الكتاب بأن يكون جمهوره العالم بأسره بدل أن يبقى محصوراً في دولته، أما إن كان هنالك مكتبة إلكترونية مجانية فلا بد أن تقف خلفها مؤسسة تقوم بنشر الإبداع شرط مراعاة معايير وأسس مالية تحتمل هذا المشروع، كما تفعل المؤسسات التي تنشر كتبها الخاصة، أو الكتب المعرفية القديمة.

وحول الكتب المحمية الحقوق التي تصدر بطبعات ورقية سواء بنشر الكتاب كاملاً أو جزئياً بشكل إلكتروني أضاف: علينا كناشرين ومؤسسات ذات علاقة وبالتعاون بين مؤسسات القطاع العام والخاص ليس مواجهة هذه المشكلة فحسب، بل بتحدي النشر الإلكتروني -إذا كان فيه تحدٍ واستغلال- واستغلال إيجابيات هذه الطرق الجديدة في النشر بإقامة مكتبات إلكترونية ضمن الأسس والقوانين.

وأكد «اليازوري» أن هنالك حالات تتحول فيها «مواقع نشر الكتب المجانية» إلى «مكتبات إلكترونية مجانية» وذلك حين تقوم بنشر كتب غير خاضعة لحقوق النشر. مثل كتب التراث التي يبقى للناشر فقط الحق في «رسم وشكل الكتاب من الداخل وهو الحق الذي تحاسب عليه القوانين في الكتب القديمة»، وكتب تقادم تاريخ إصدارها الأخير مع عدم رغبة وعدم نيّة دار النشر أو الكاتب بإعادة الإصدار، بالإضافة إلى ما قبل طباعة الكتاب ورقياً سواء بشكل كلي أو جزئي، أو في حالة تعاقد الناشر صاحب الحق مع المكتبة الإلكترونية.

أما «محمد دراوشة» أحد أصحاب مواقع الإنترنت الذي أنشأ ضمن موقعه ما تسمى «بالمكتبة الإلكترونية المجانية» المتاحة لجميع متصفحي الموقع علق على تسمية هذه المكتبة بأنها سرقة للحقوق قائلاً: لقد ولى زمن التباهي بالمكتبات الورقية كمكتبات بغداد ودمشق وغيرها كرمز حضاري من رموز المدنية، وهذا يعتبر أحد أنواع اجترار التاريخ، لأن العالم يتقدم للإمام، ونحن يومياً نفقد بسبب الرقابة، والمسافة، والتكلفة، مئات بل آلاف الكتب التي لا تصلنا، لذلك يجب أن نواكب تطورات العصر، ونسخّر التكنولوجيا لصالحنا بدلاً من أن تسخّرنا هي لصالحها، لذلك فإن المكتبة الإلكترونية هي إحدى سمات هذا العصر الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة. 

مشكلة مضمون وليست مشكلة شكل

بينما رأى عذيب برقاوي أحد رواد المكتبات الإلكترونية على الإنترنت، عقَّب على قضية المكتبة الإلكترونية قائلاً: إن المشكلة تكمن لدينا في المؤلف وليس في الكتاب والتعاطي معه سواء أكان ورقياً أم إلكترونياً، فغالبية الذين ينادون بحماية حقوق المؤلف نسوا أو تناسوا مسألة هامة، وهي أن أكثر من 70% من الإصدارات العربية الحديثة صاحبة الحقوق هي كتب إبداعية سواء شعرية أو قصصية أو روائية، بينما الكتب المعرفية إما شبه مفقودة أو مترجمة، وأنا كغيري ألجأ للمكتبات الإلكترونية لعلّي أجد بها الكتب المعرفية الحديثة لأنها تخصني في مجال بحثي وعملي، بينما الكتاب الورقي الإبداعي فيمكنني أن أتابعه في الصحف والمجلات وغيرها، وهي أظنها منبراً افضل من الكتاب الورقي، مشكلتنا تكمن مع المعرفة وليس مع شكل أو نوع الكتاب.

أما المهندسة هناء الرملي والمتخصصة في مجال ثقافة الإنترنت، تعتبر أن المكتبات الإلكترونية تشكّل نقلة نوعية كبيرة في عالم المعرفة، على أن تحكمها ضوابط قانونية وتشريعية، حتى يكون لانتشارها جدوى كبيرة لكل الأطراف، من دور النشر والتوزيع والمؤلفين والقراء.

ودللت على ذلك في مشروع مكتبة (Google) الضخمة «المكتبة الرقمية العالمية» التي أتاحت ملايين من الكتب على الإنترنت، بقوائم منسقة، وأصبح بإمكان الباحث فيها الاطلاع على محتويات الكتب المتاحة بشكل مجاني وخصوصاً الكتب القديمة التي سقطت عنها حقوق النشر، أما الكتب الحديثة فهي تتيح نبذة عنها وعن مؤلفها، للباحث مع الإشارة إلى عناوين مكتبات إلكترونية تجارية لشرائها أو مكتبات عامة لاستعارة الكتاب منها. وذلك طبقاً لاتفاقيات أبرمتها جوجل مع دور النشر للحفاظ على حقوق الملكية وحقوق الطبع والتوزيع.

وهناك أيضاً تجربة مميزة لمكتبة الحرم المكي وما تحويه من مخطوطات أصلية قيمة قد تم تحويلها رقمياً لتصبح في متناول الجميع.

وتمنت الرملي على أن يكون للمسؤولين عن المكتبات العربية ودور النشر رؤية أعمق وأبعد، فالكتب الإلكترونية سوف تدر عليهم ربحاً أكبر حين تبقى كلفة الكتاب على حالها وتنخفض كلفة الطبع والنشر والتوزيع والشحن والتسليم، وأضافت: إن هاجس الناشرين عن كم الكتب المطبوعة وحجم الطلب على الكتاب سوف يلغى نهائياً. وحتى يتم وضع ضوابط قانونية وتشريعية تضبط حقوق الملكية وحقوق النشر والتوزيع، فلا بأس من التغاضي بعض الشيء عن مثل هذه الانتهاكات..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 21:39