نظرية المؤامرة ـ في الدراما
شهدت الدراما السورية في العقد الأخير فورة إنتاجية كبيرة تمكنت من خلالها أن تتصدر الإنتاج الدرامي العربي، وأن تطفو على السطح بامتياز.
وتوفر لهذا القطاع عوامل كثيرة ساهمت في نهوضه منها. توفر رأس المال العربي، تدني التكلفة الإنتاجية بشكل كبير، وجود الكادر الفني، وجود النصوص حسب الطلب، ووجود عدد كبير من الفضائيات، عدم وجود قوانين ناظمة...الخ.
هذه العوامل وغيرها وفرت لهذا القطاع أسباب الاستمرار والتواجد، مما حققت صعوداً صاروخياً لبعض الأسماء الفنية وتراكم كبير للثروة لمن يعمل في الوساطة الإنتاجية (فنانين ـ مخرجين ـ مدراء إنتاج) وأيضاً انحدار صاروخي في مستوى دخل الفنانين العاديين (دون مستوى النجوم) إذ لم تساهم هذه الفورة في رفع أجور الفنانين بل ساهمت في تدني أجورهم فما يتقاضاه ممثل من دور ثان في مصر أو سواها من البلدان العربية يعادل أجور فريق عمل كامل في سورية.
من يغتال الدراما
اغتيال الدراما ـ مؤامرة على الدراما ـ تخريب الدراما...الخ.
عبارات صرنا نسمعها منذ فترة غير قصيرة في أوساط الفنانين وتصريحاتهم
من يتآمر على الدراما السورية؟
هل هبوط معدل الإنتاج الدرامي لما دون النصف هو نتيجة مؤامرة أم عوامل أخرى؟
هل تنظيم عمل النقابة وتفعيل قوانينها هو مؤامرة؟
وإذا كانت هناك مؤامرة فعلاً فما أوجهها؟ وما أشكال التصدي لها؟
أولاً ـ إن انصراف بعض أهم الفضائيات العربية عن النتاج الدرامي السوري اعتبره البعض موقفاً سياسياً ناجماً عن التوتر في العلاقة ما بين سورية ولبنان والسعودية وعلى اعتبار أن إدارة بعض تلك المحطات من اللبنانيين تم قراءة هذا الإحجام على أنه موقف سياسي وتآمر على نتاج فني يفترض أن يكون خارج جميع هذه الصراعات.
من جهة أخرى لعبت المضاربات التي تقوم بها الشركات الخاصة دوراً سلبياً في انخفاض قيمة الساعة التلفزيونية وساعد ذلك عدم وجود قوانين ناظمة لتسويق النتاج الفني.
ويذكر في هذا المجال أن إحدى الفنانات السوريات قدمت مسلسلها الأول الذي أنتجته شركتها مجاناً لبعض الأقنية الخليجية، مما دفع بعض المسؤولين بعد ذلك أن يبيع نتاجه بنصف القيمة وهذا أدرى فيما بعد إلى انخفاض سعر الساعة التلفزيونية.
ثانياً ـ كانت مصر قبلة الفنانين السوريين قد منذ عهد أبو خليل القباني وحتى الآن ولم يمر عقد دون أن يشهد ولادة أو انطلاقة فنان سوري في مصر.
وكان أن غادرنا إلى مصر في الآونة الأخيرة عدد من الفنانين المميزين ـ جمال سليمان ـ حاتم علي ـ تيم حسن ـ سوزان نجم الدين... واعتبر البعض أن إغراء هؤلاء بالسفر هو لتكبيد الدراما السورية المزيد من الخسائر وذلك بسلبها بعض أهم نجومها.
ثالثاً ـ انخفاض التمويل الخليجي ويعود لأسباب مختلفة سنأتي على ذكرها.
رابعاً ـ إصدار قوانين وقرارات نقابية يرى فيها البعض مس وتحجيم لهم وبالتالي تحجيم الدراما.
نعود للتمويل الخليجي الذي يرى البعض أنه انخفض، إلا أننا نرى أنه ما زال يتدفق. ربما تكون الكتل المالية المقدمة قد انخفض بعضها لأسباب تتعلق بفساد بعض الشركات المنفذة.
وكانت بعض تلك الشركات تستقدم مئة مليون ليرة سورية و تنفذ المسلسل بخمسين وتلهف الباقي، وهذا الباقي كانت تضن به على الممثلين والفنيين، وباعتبار أنه ليس لدينا من يستطيع أن يقول لا لأنه إذا قالها يصبح بلا عمل أصبح هذا التقسيم للميزانية قاعدة لا تشذّ عنا إلا بعض الشركات.
ومع الزمن أصبح الممولون يعرضون القيمة الحقيقية لإنتاج المسلسل وبالتالي أصبحوا يدفعون التكلفة الحقيقية.
أما القوانين النقابية التي رأى فيها البعض تحجيم للدراما والدراميين فهي القوانين النقلية التي فعلتها السيدة جيانا عيد عندما تسلمت مكتب العمل والتشغيل.
أما وقد رحلت الآن فقد عادت الأمور إلى سابق عهدها.
هذه هي أوجه المؤامرة كما يراها بعض المتخوفين على الدراما السورية إلا أننا نرى أن هناك أسباباً أخرى لم يلمسها أولئك المتخوفون بعضها يتعلق ببنية الإنتاج الدرامي وبعضها خارجي.
دود الخل...
فيما يتعلق بالإنتاج الدرامي فهو إما مأجور ينفذ فكرة لجهة ما وهو غالباً ما يلتزم بدقة بتوجهات وسياسة الجهة الممولة وإما يعالج قضية محلية (الفساد ـ علاقات اقتصادية ـ اجتماعية ـ حب ...الخ) وهو يلامس هذه الموضوعات ملامسة يبتعد ويقترب منها برؤى سطحية وثرثرة فارغة دون الغوص في عمق كل حالة فالفساد هو خطأ شخصي مسؤول عنه فرد خارج عن إرادة الجماعة.
أما العلاقات الأخرى فتحكمها الرغبات القائمة على العواطف وتنتهي بحلول توفيقية ورومانسية جاهزة.
وهذا الأسلوب جعل من الموضوعات وإن اختفت ظاهرياً إلا أنها متشابهة في المعالجة وبالتالي أصبح النتاج الدرامي مكرراً وفوتوكوبياً فكراً وتمثيلاً إذ أن هناك نخبة من النجوم تتكرر في جميع الأعمال دون استثناء.
هذه الجوانب تجعل من قدرة المسلسل السوري على المنافسة ضعيفة.
أما الجانب الخارجي فهو بوادر ظهور صناعة تلفزيونية خليجية هذه الصناعة بدأت بتغطية سوقها المحلية والتسلل إلى الأسواق المجاورة، وبالتالي إذا لم يكن لدى صناع الدراما السورية الجرأة والقدرة على اقتحام السوق بطرق مختلفة فستكون فرص استمرارهم وحضورهم ضعيفة.