جون برينان: هرمنا!
إنّه لمن الممتع حقاً، تتبع تصريحات وكتابات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان، وذلك من باب الشماتة
تصريحات الرجل خلال العام الماضي- وأحدثها تصريحاته يوم الخميس 8 أيلول- وإذا ما تصدى لجمعها وترتيبها أحد الموظفين الكثر في الـCIA والذين سيحكمهم ظرف الانكماش الأمريكي المتسارع ببطالة إجبارية- فإن ما سينتج عن عملية الجمع هذه لن يكون أقل من تراجيديا دانتي- فصل الجحيم! فبرينان يعد العالم بأسره بالجحيم، بالويل وبالثبور، ويخص «الشرق الأوسط» بعين العاصفة..
آخر ما حرر، مقابلته مع مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية في ويست بوينت يوم الثامن من الجاري: «لا أعرف ما إذا كان ممكناً إصلاح العراق أو سورية. هناك الكثير من سفك الدماء وتدمير هائل وانقسامات طائفية، إنه توتر محتدم دائماً. لا أعرف ما إذا كنت سأبقى حياً لرؤية حكومة مركزية في البلدين كليهما لديها قدرة على الإدارة بشكل عادل»، وهي مقولة يتمسك بها منذ فترة. لا يفوته أن يضيف في السياق نفسه أنه يمكن أن يتصور: «إقامة نوع من الهيكل الاتحادي الذي ينظم مناطق بحكم ذاتي، بخاصة أن الأكراد في شمال العراق وفي أجزاء من سورية أنشأوا بالفعل دولة بحكم الأمر الواقع».
إذاً، لا بديل عن التقسيم وفقاً للعم جون، وبما أن داعش والنصرة ليستا متفقتين في «الشرق الأوسط» حسب تقييمه، فإنّ التقسيم سيكون قومياً بدل أن يكون طائفياً.. ولأنّ أشعار جون ما بعد حداثوية فهي بحاجة للتأويل، ولذلك سنستخدم مدرسة هيرمونوطيقا الخراب العميم لنتحدث بلسانه، فنقول: «هل تصدقون أن السبب هو عدم اتفاق داعش والنصرة في سورية؟ لا أبداً تلك كناية ونكتة سمجة. كل ما في الأمر أن الروس فتكوا بنصرتنا وداعشنا، ولم يبق أمامنا إلا الاشتغال على الفالق القومي، ولكننا تأخرنا كثيراً، هرمنا، وفاتنا القطار».
هي «نهاية التاريخ» مرة أخرى! فواشنطن حين تنتصر ينتهي التاريخ، وحين تهزم أيضاً. في المرة الأولى ينتهي إلى صراع حضارات أبدي تحت إدارتها، وفي الثانية ينتهي إلى صراع حضارات أبدي حتى وإن لم تدره هي..
إنّ جوهر المسألة أنّ النظام الكوني الذي أدارته واشنطن حيناً، نظام رأس المال المتوحش، قد وصل منذ عقود طويلة إلى عنق التاريخ، وهي عنق ضيقة فتاكة لن يمر منها رأس المال إلّا ميتاً، ولذلك فإنّه يفضل وضع سدادة تحكم إغلاق التاريخ حتى وإن كلّف ذلك الأمر تفجيره بمن فيه..
عنق التاريخ تضيق برأس المال، وتنفتح واسعة أمام أعدائه، ولذلك فهي تضيق أيضاً بأفكار التقسيم، وبالحروب، وبالفوالق الطائفية والقومية والإثنية.. هي تضيق بالظلم، ولذا فهي تضيق خناقها على أمنيات المستر جون وأمثاله، الذين يعبرون برمزية خاصة عن رغبتهم في مغادرة الحياة وهم مطمئنون لخرابها! ولكنهم والحق يقال شماتة وفرحاً: هرموا وفاتهم القطار..!!