الصالات السينمائية في دمشق تاريخ من الأحلام والعوالم الملونة على القماشة البيضاء
تسعة وتسعون عاماً مضت على تاريخ أول عرض سينمائي في سورية، وكانت البداية من حلب، حيث عرض بعض الأجانب صوراً متحركة في العام 1908 على الأرجح. أما في دمشق فقد كان أول عرض في العام 1912 على يد حبيب الشماس، في مقهى يقع قرب ساحة المرجة.
وفيما يخص صالات العرض، فقد أُنشئت في العام1916 أول صالة عرض، باسم «جناق القلعة» في شارع الصالحية، افتتحها جمال باشا السفاح، ولكن حريقاً اندلع فيها، بسبب انقطاع شريط الفيلم أثناء العرض، وكان ذلك بعد شهر من افتتاحها، ولم يبقَ منها سوى الجدران.
في العام 1918 ظهرت سينما «الزهرة»، مكان فندق سمير في المرجة، وعُرفت فيما بعد باسم سينما «باتيه»، وكانت هذه الصالة تجذب جمهور السينما من خلال جوقة موسيقية تعزف أمام مدخل الصالة قبل عرض الفيلم..
في عام 1920، أنشأ أليكو بوليسفتش سينما «الإصلاح خانة» في المرجة أيضاً، وبعدها بثلاثة أعوام ظهرت سينما "النصر" في سوق قديم جانب سوق الحميدية، حلت محل مسرح شعبي كان يديره محمد الأغواني، وفي العام 1929، وبسبب إفلات بكرة الفيلم واصطدامها بمصباح كهربائي، شب الحريق فيها، وكان أكبر حريق عرفته دمشق، استمر لمدة ثلاثة أيام، ودمر عدداً من الأسواق والأحياء، بما فيها حي سيدي عامود.. الذي عرف منذ ذلك الوقت بحي الحريقة.
في العام 1924، افتتح توفيق حبيب شماس سينما «الكوزموغراف» في منطقة البحصة، وعُرفت فيما بعد بسينما أمية. كما ساهم أبناء الشماس في إنشاء صالتي العباسية ودمشق بمشاركة أبناء قطان وحداد، وكانوا من أوائل الذين أدخلوا السينما الناطقة إلى صالات دمشق.
من اوبرا عائدة، أخذت سينما «عائدة» اسمها، وما تزال موجودة منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى الآن، وتُعرف حالياً باسم سينما «أفاميا». وكانت بعض صالات السينما تستخدم كمسارح للغناء، كما هو الحال مع سينما «سورية» التي أنشأها بهجت المصري.
حسب جورج سادول صاحب كتاب «تاريخ السينما في العالم» فقد بلغ عدد الصالات في دمشق 18 صالة في العام 1962. بعضها مازال قائماً حتى الآن، لكن أكثرها اختفى بسسب التنظيم العمراني، مثل صالات «راديو» و«سنترال» في شارع رامي، وصالة «رويال» في شارع العابد. وهناك صالات ذكرتها الكتب والمجلات، من دون ذكر مكانها، مثل صالات: سلوى، جنينة الأفندي، الصالون، وفؤاد..
وأغلب الصالات القائمة الآن، بُنيت في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات التي شهدت فورة بناء الصالات الكبيرة، وهو ما يظهر واضحاً في صالات دمشق والزهراء والسفراء..
هذا ما يخص تاريخ بعض الصالات من حيث هي أمكنة، لكن من المؤكد أن ثمة تاريخاً آخر وراء هذه الأمكنة، وهو تاريخ الالآف من البشر الذين كانوا يرتادون تلك الصالات. ومنذ لحظة انطفاء الضوء.. كانوا يجتازون القماشة البيضاء ويدخلون إلى عالم السينما المدهش والغريب، عالم من الأحلام والصبوات، من الموسيقى والجنون. عالم خاص وآسر، ولابد أن كثيرين من هؤلاء البشر كان بإمكانهم - لو أُتيحت لهم الفرصة- أن يتحدثوا بطريقة أجمل، عن العوالم المسحورة التي كانوا يذهبون إليها، فيما هم جالسون على مقاعدهم في العتمة!!..