ربّما! الرواية والسينما
وقعتُ على «الكونت دي مونت كريستو» في زمن التمارين الأولى على القراءة، ولم أحفل، من نص إسكندر توماس، بأشياء غير التسلية، مع أنها مثقلة بجرعات معرفية ثقيلة، دأب الراوي على حشوها بذريعة وبلا، خاصة عند التقاء البطل بقسيس يكاد يكون بحر علوم ومعارف.
فيما بعد سنحت الفرصة بمشاهدة فيلم سينمائي يعيد الرواية، آخذاً بالجوهري ـ من ذلك النص الذي بات مملاً لقارئ هذه الأيام ـ من أجل تخليصه من الحشو والوصف والإطالات.
هكذا صارت فكرة مشاهدة الروايات الكلاسيكية تبدو أكثر إغراء من قراءتها.. فمن المؤكد أن أفلمة النص تشبه، في عمقها، حالة ترميم الآثار.
ببرهة شرود واحدة، يستطيع المرء تعداد عشرات الأعمال الروائية التي صارت أفلاماً، وعلى الغالب يأتي هذا لصالح بقاء هذه الأعمال.. فما عاد بإمكان القلب ولوج رمالها المتحركة، وخوض قفارها، والأجدى مشاهدتها مع الانحياز التام للحالة السينمائية.. ولنعدد على سبيل المثال: «الحرب والسلام»، «آنا كارنينا»، «أوليفر تويست». الخ، لكن هذا لن يشمل بحال نصوصاً مثل «ساعي بريد نيرودا» لأنطونيو سكارميتا، والذي اكتفى مخرجه ما يكل رادفورد بتسميته «ساعي البريد»، أو «زوربا» لنيكوس كازانتزاكيس، رواية الأجيال الدائمة، والتي صارت «زوربا اليوناني» بكاميرا المخرج مايكل كاكويانيس، ورغم أن العملين خارجان من صمامات النص، ومن أعصابه، وبسحر إضافي أيضاً، حيث صار ماريو هو ما سيمو ترويسي، وزوربا هو أنطوني كوين.. رغم ذلك، ثمة مسافة تجعل كلاً من النص والفيلم عملاً، أو عالماً، قائماً بذاته.
روايات كثيرة صارت، كمصير محتوم، إلى الشاشة الفضية، هل نذكر «1984» لجورج أوريل، و«بيت الأرواح» لإيزابيل الليندي، و«اسم الوردة» لأمبرتو إيكو، و«الساعات» لمايكل بغنغهام، و«المريض الإنكليزي» لمايكل أوداندجي، و«العرّاب» لماريو بوزو، «دكتور زيفاكو» لباسترناك؟ هل يكفي ذلك؟.
معادلة غريبة تلك التي غالباً ما تتحكم بحماسة المتلقي.. فقارئ الرواية يستدمي لرؤية ما قرأه، في حين يشعر المشاهد للفيلم، قبل الرواية، بنوع من الاكتفاء.
تقول الحكمة الصينية القديمة: «الصورة بألف كلمة»، كما أن فكرة نجيب محفوظ عن الميل نحو اللقطة التي تختصر عدة صفحات، باتت رائجة، فكثيراً ما حدث وأن تفوق الشريط على الورق، وإليك «الكيت كات» لداود عبد السيد، كما يجمع الكثيرون، مثالاً على تجاوز النص الأصلي، فهو أهم من رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، مع أنه مأخوذ عنها، لكن المخرج ذهب إلى الجهة التي أهملها السرد، ومع أداء محمود عبد العزيز الذي تحول إلى الضرير(الشيخ حسني)، كان هناك من السحر ما يوصل إلى الخدر.. بالمقابل ثمة أفلام كثيرة، ظلت هزيلة مقارنة بأصلها الروائي.