صفر بالسلوك كردو في استوكهولم
لم يدخل كردو إلى البيت قادماً من العمل لأنه يقبض راتبه دون عمل، فهو الآن في مدينة الأحلام استوكهولم التي كلفته الكثير الكثير للوصول إليها مع عائلته الصغيرة التي لا تتجاوز السبعة أولاد بعيون البلدية التي تدفع لهم رواتبهم واحداً واحداً على الطريقة التي يحبها كردو، وهي دولار ينطح دولار، أو كورون ينطح كورون
لكن الأولاد يذهبون إلى المدرسة، وزوجة كردو لم تعد تستطيع السيطرة على ابنتها الفتاة التي صارت صبية، فهي تروح وتجيء على كيفها وكأن لا أب لها ولا أم، يعني بصراحة البنت فلتانة على حلّ شعرها، ويقول كردو لابنته إن الذهاب إلى النادي مع الأصدقاء والصديقات لا يناسب عاداتنا وتقاليدنا، فترد ابنته بوقاحة بأنها تعيش في استوكهولم وليست مهتمة بعادات كردو وتقاليده، فيضطر كردو إلى صفعها كما يحدث في الأفلام العربية عندما يطفح الكيل بالأب الحنون، ثم يكمل المشهد بسحلها ورميها في غرفتها ومنعها من الذهاب إلى المدرسة، لكنه يفاجأ بالشرطة تطرق بابه وتحقق معه وتتدخل في حياته وتنذره بالترحيل والتسفير إذا بيعيد هالحركات مرة ثانية، وتعود الفتاة إلى مدرستها وإلى أصدقائها وصديقاتها ورقم الشرطة أصبح محفوراً في رأسها، وبينما الفتاة جالسة تدرس دون أن تهتم بما يقول كردو لها من نصائح ومحاولات أخيرة لإعادتها إلى الحظيرة الشرقية التي يحبها ويحب رائحتها ويحب سيطرته عليها، ينطق الطفل الصغير مدافعاً عن أخته فيضطر كردو اللطيف عادة إلى ضربه بواسطة أقرب حذاء تقع يده عليه قائلاً له (اخرس يا حيوان)، لكن الولد الذي لم يفقس من البيضة يصرخ محتجاً ما معناه أنه ليس حيواناً، فينهض كردو ويشبعه ضرباً حسب المواصفات القياسية الشرقية، وفي اليوم التالي تستدعي الشرطة كردو من جديد وتنذره من جديد بالترحيل والتسفير إذا ما تجرأ ومد يده على الصغير، ويعود كردو مهموماً، فهو بلا سلطة في بيته، كما أنه لا يحب عادات أهالي استوكهولم في تدليل الأولاد وغض النظر عما تفعله البنات، لكنه بلا حول ولا قوة، فالأولاد يأخذون راتبهم من الستوكهولميين، وهو كذلك، وأوقات الفراغ كبيرة، والثلوج كثيرة، والعين بصيرة والإيد قصيرة، فيجلس ويشعل سيكارته القصيرة، ويشرب قدحاً من الفودكا بالليمون هو كل ما تعلمه من استوكهولم، ويشرب ويشرب، ثم يبكي على سلطته المفقودة، ويبكي بسبب أبنائه الجحودين، ويبكي بسبب الفراغ القاتل الذي يعيشه، فيفتح على الأنترنت ويقرأ ما يكتب على المواقع الكرداوية، وعندما يرى أن جاره بنيرو يكتب الشعر وينشره في المواقع يقرر أن يصبح شاعراً، ويكتب كردو شعراً عن الحرية، وبعد فترة يرسل خمسمائة دولار ويطبع كتابه على حسابه فيصبح شاعراً مطبوعاً بالعربية الفصيحة، وبعد سنوات يعود إلينا مبتسماً، وينظر إلينا متعجباً، ويضحك من تخلفنا، ومن تسلطنا، ومن كثرة ساعات عملنا مفتخراً بالراتب الذي يأخذه دون أن يذرف قطرة عرق، ويتعجب من سوء تعاملنا مع أبنائنا، كما أنه يطلب فودكا بالليمون ساخراً من عرقنا!!!