ربّما! لولا فسحة الموبايل
لم نعدْ في عصر الموبايل وحسب، مثلما سبق لأسلافنا وأنْ عاشوا في «عصر البخار» أو «عصر الطباعة» أو «عصر الأيديولوجيا»، بل بات (الموبايل) فينا، مثله مثل بقية أعضاء الجسم، فهو عين، وأذنٌ، وأنفٌ.. أيضاً! لكنّ أهم ما فيه أنه ينطلق من فكرة الصوت، إلى درجة يعاد فيها تأليف الناس على أنهم أصوات، حيث كل امرئٍ صوتٌ، وكلُّ صوتٍ هوية.
ربما لم يحدث للصوت أنْ كان على هذه الأهمية، فطوال التاريخ كانت الأصوات إلى تلاشٍ وضياع، فيما يتماهى الإنسان بصوته الآن. ومدة تدريبٍ قليلة لحاسة السمع، مع هذا الجهاز، تكفي لتفرز الأصوات إلى أسماء أشخاصٍ لم يعودوا أنفسهم، منذ أرغمهم هذا الجنيّ الصغير على التخلي عن وضعهم الماضي، ليحيلهم إلى ذلك الوضع السحري، وضع الصوت.
تخطر على البال، في خضّم هذه الأفكار، قصيدة للشاعر وديع سعادة، حيث يقول: «بودي أن أكتب رواية عن صوتٍ، خرج ذات يومٍ من فمٍ وضاع في الفضاء، وصاحبه يجري وراءه علّه يعثر عليه». على المستوى البسيط، وقد باتت هناك تقنية لحفظ الأصوات في ألبومات، تماماً كألبومات الصّور، لن يكون من السهل ضياع صوتٍ، أو نسيانه، وعلى صعيد الصوت في الموبايل، خاصة وأن الموسيقى تأخذ الحصة الأكبر، تستطيع تصنيف الناس وأمزجتهم ببساطة، فالكل بات مكشوفاً وليس على أحدٍ غطاء.
بين الربابة والمجوز، ومقطوعات الجاز والروك آندرول والراب، ونغمة «نوكيا» التي صارت بشهرة أعمال كبار المؤلفين، وحميمية الفلكلور الشعبي.. بين كل هذا كنت أريد، وما أزال، رنّة جرس كنيسة، أو صافرة سفينة تغادر الميناء، أو صليل عجلات قطار.. كنت أريد من الأصوات صوت ما لم أعش، وما لم أعرف.. فالحياة ضيقة لولا فسحة الموبايل!
رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.