صفر بلاسلوك تذكروا ممدوح عدوان
تذكروا ممدوح عدوان، تذكروا المثقف الحر والملتزم، والكاتب المسرحي والمدرس، تذكروا المترجم والناقد، تذكروا الصحفي والمراسل، تذكروا الشاعر.
فإذا كان هناك من أب للثقافة السورية المعاصرة فإن ممدوح عدوان هو ذلك الأب، وقد لمسنا غيابه عندما رحل عنا، داهمنا إحساس بأن الثقافة السورية ستتابع سيرها عارية من أحد حماتها وسط أشد ألد أعدائها من المسؤولين الثقافيين الذين لم يتشرفوا بمعرفة كتاب بلادهم ومثقفيها، وكذلك ممن تسلبطوا على الثقافة، فأضحوا كتاباً للشعر والرواية بعد أن بدأوا الكار بكتابة التقارير بأعز الأصحاب وأقرب الناس.
كان ممدوح عدوان مرجعنا ومعيارنا - نحن المثقفين الشباب - الذين كنا نصدم كل يوم بتخاذل رموزنا وبخرفهم المبكر، ومع ذلك فإن ديمقراطية ممدوح عدوان كانت تسمح لنا بالصدام الشريف معه وبالحوار العنيف وبالاختلاف عنه، كان أباً شاباً يرفض الأبوة ويطالب بأن يكون واحداً منا على الدوام، وفي غمرة صراعه مع السرطان بقي ممدوح عدوان مثقفاً، لم يلوثه السرطان الثقافي الذي أودى بالكثير من المثقفين الكبار إلى الخرف المبكر وإعلانه دون خجل من (قرائهم الكثر)، استطاع ممدوح عدوان أن يموت شاباً مخلصا لسيكارته ولكأس عرقه المعتاد بعد الظهر وفي المساء، مخلصاً لترجماته الكثيرة وللقصائد التي تدور في باله، مخلصاً لطلابه الذين لم يغب عنهم إلا عندما كان يسافر كي يتلقى الجرعات الكيمياوية .
مات ممدوح عدوان دون أن يترك لنا جملة «مأثرة» كي تصبح شعاراً، فقد كان المتجدد الذي يحتقر الشعارات، والمتألق الذي يرفض نصيحة الطبيب..
قال لي وهو ينظر إلى شعري الطويل بعد أن نال الكيمياوي من شعره الأبيض الجميل: «انظر إلى رأسي ها هو شعري يعود إلى الظهور من جديد».
بسيارته الفولكس فاكن الحمراء الصغيرة يمر على أصدقائه في مواعيد دقيقة جداً، منجزاً الكثير الكثير في وقت قليل، إنه شخص لا تكفيه الساعات الأربع والعشرون، فلماذا لا يمددون له ساعات النهار، كي ينجز وينجز كل ما في باله.
ذهب ممدوح عدوان تاركاً خلفه معاركه الصغيرة والكبيرة وشجاعته الشهيرة ودفاعه المستميت عن الثقافة، ذهب ممدوح عدوان تاركاً لنا ما ميزه على الدوام وما ارتبط به على الدوام.. رغماً عن أنف الأغبياء والمتعصبين ألا وهو رفيقه الدائم: «الشرف».